المسلمين للإفرنج وكادوا يلجون عليهم معسكرهم ثم جاءهم الصريخ بنهب أموالهم وكان المنهزمون قد حملوا أثقالهم فامتدت إليها أيدي الأوباش ونهبوها فكان ذلك مما شغل المسلمين عن استئصال الإفرنج وأقاموا في ذلك يوما وليلة يستردون النهب من أيدي المسلمين ونفس بذلك عن الإفرنج بعض الشئ والله تعالى أعلم * (رحيل صلاح الدين عن الإفرنج بعكا) * ولما انقضت هذه الواقعة وامتلأت الأرض من جيف الإفرنج تغير الهواء وأنتن وحدث بصلاح الدين قولنج كان يعاوده فأشار عليه أصحابه بالانتقال عسى الإفرنج ينتقلون وان أقاموا عدنا إليهم وحمله الأطباء على ذلك فرحل رابع رمضان من السنة وتقدم إلى أهل عكا بحياطتها وأعلمهم سبب رحيله فلما ارتحل اشتد الإفرنج في حصار عكا وأحاطوا بها دائرة مع أسطولهم في البحر وحفروا خندقا على معسكرهم وأداروا عليهم سورا من ترابه حصنا من صلاح الدين أن يعود إليهم ومسلحة المسلمين قبالتهم يناوشوهم القتال فلا يقاتلونهم وبلغ ذلك صلاح الدين وأشار أصحابه بارسال العساكر ليمنع من التحصين فامتنع من ذلك لمرضه فتم للإفرنج ما أرادوه وأهل عكا يخرجون إليهم في كل يوم ويقاتلونهم والله تعالى أعلم * (معاودة صلاح الدين حصار الإفرنج على عكا) * ثم وصل العادل أبو بكر بن أيوب منتصف شوال في عساكر مصر ومعه الجم الغفير من المقاتلة والأصناف الكثيرة من آلات الحصار ووصل على اثره أسطول مصر مع الأمير لؤلؤ وكبس مركبا فغنم ما فيه ودخل به إلى عكا وبرئ صلاح الدين من مرضه وأقام بمكانه بالجزيرة إلى انسلاخ الشتاء وسمع الإفرنج أن صلاح الدين سار إليهم واستقلوا مسلحة المسلمين عندهم فزحفوا إليهم في صفر سنة ست وثمانين واستمات المسلمون وقتل بين الفريقين خلق وبلغ الخبر بذلك صلاح الدين وجاءته العساكر من دمشق وحمص وحماة فتقدم من الجزيرة إلى تل كيسان وتابع القتال على الإفرنج يشغلهم عن المسلمين فكانوا يقاتلون الفريقين وكان الإفرنج مدة مقامهم على عكا قد صنعوا ثلاثة أبراج من الخشب ارتفاع كل برج ستون ذراعا وفيه خمس طبقات وغشوها بالجلود وطلوها بالأدوية التي لا تعلق النار بها وشحنوها بالمقاتلة ودنوها إلى البلد من ثلاث جهات في العشرين من ربيع الأول سنة ست وثمانين وأشرفوا بها على السور فكشف من عليه من المقاتلة وشرع الإفرنج في طم الخندق وبعث أهل عكا سابحا في البحر يصف لهم حالهم فركب في عساكره واشتد في قتال الإفرنج
(٣٢٠)