واستباحوهم * (ارتجاع عبد المؤمن المهدية من يد الإفرنج) * ولما وقع بأهل زويلة من الإفرنج ما وقع لحقوا بعبد المؤمن ملك المغرب يستصرخونه فأجاب صريخهم ووعدهم وأقاموا في نزله وكرامته وتجهز للمسير وتقدم إلى ولاته وعماله بتحصيل الغلات وحفر الآبار ثم سار في صفر سنة أربع وخمسين في مائة ألف مقاتل وفي مقدمته الحسن بن علي صاحب المهدية ونازل تونس منتصف السنة وبها صاحبها أحمد بن خراسان من بقية دولة صنهاجة وجاء أسطول عبد المؤمن فحاصرها من البحر ثم نزل إليه من سورها عشرة رجال من أعيانها في السلالم مستأمنين لأهل البلد ولأنفسهم فأمنهم على مقاسمتهم في أموالهم وعلى أن يخرج إليه ابن خراسان فتم ذلك كله وسار عنها إلى المهدية وأسطوله محاذيه في البحر فوصلها منتصف رجب من السنة وبها أولاد الملوك والزعماء من الإفرنج وقد أخلوا زويلة وهي على غلوة من المهدية فعمرها عبد المؤمن لوقتها وامتلأ فضاء المهدية بالعساكر وحاصرها أياما وضاق موضع القتال من البر لاستدارة البحر عليها لأنها صورة يد في البحر وذراعها في البر وأحاط الأسطول بها في البحر وركب عبد المؤمن البحر في الشواني ومعه الحسن بن علي فرأى حصانتها في البحر وأخذ في المطاولة وجمع الأقوات حتى كانت في ساحة معسكره كالتلال وبعث إليه أهل صفاقس وطرابلس وجبال نفوسة بطاعتهم وبعث عسكرا إلى قابس فملكها عنوة وبعث ابنه عبد الله ففتح كثيرا من البلاد ثم وفد عليه يحيى بن تميم بن المقر بن الرند صاحب قفصة في جماعة من أعيانها فبذل طاعته ووصله عبد المؤمن بألف دينار ولما كان آخر شعبان وصل أسطول صقلية في مائة وخمسين من الشواني غير الطرائد كان في جزيرة يابسة فاستباحها وبعث إليه صاحب صقلية بقصد المهدية فلما أشرفوا على المرسى قذفت إليهم أساطيل عبد المؤمن ووقف عسكره على جانب البر وعبد المؤمن ساجد يعفر وجهه بالتراب ويجأر بالدعاء فانهزم أسطول الإفرنج وأقلعوا إلى بلادهم وعاد أسطول المسلمين ظافرا وأيس أهل المهدية من الانجاد ثم صابروا إلى آخر السنة حتى جهدهم الحصار ثم استأمنوا إلى عبد المؤمن فعرض عليهم الاسلام فأبوا ولم يزالوا يخضعون له بالقول حتى أمنهم وأعطاهم السفن فركبوا فيها وكان فصل شتاء فمال عليهم البحر وغرقوا ولم يفلت منهم الا الأقل ودخل عبد المؤمن المهدية في محرم سنة خمس وخمسين لثنتي عشرة سنة من ملك الإفرنج وأقام بها عشرين يوما فأصلح أمورها وشحنها بالحامية والأقوات واستعمل عليها بعض أصحابه وأنزل معه الحسن بن علي وأقطعه بأرضها له ولا ولادة وأمر الوالي أن يقتدى
(٢٠٦)