الشحنة والله أعلم بغيبه وأحكم * (مقتل البرسقي وولاية بنه عز الدين على الموصل) * ثم إن المسترشد تنكر للشحنة برتقش وتهدده فلحق بالسلطان محمود في رجب سنة عشرين فأغراه بالمسترشد وخوفه غائلته وانه تعود الحروب وركب العيث ويوشك أن يمتنع عنك ويستصعب عليك فاعتزم السلطان على قصد العراق وبعث إليه الخليفة يلاطفه في الرد لغلاء البلاد وخرابها ويؤخره إلى حين صلاحها فصدق عنده حديث الزكوي وسار مجدا فعبر المسترشد بأهله وولده وأولاد الخلفاء إلى الجانب الغربي في ذي القعدة راحلا عن بغداد والناس باكون لفراقه وبلغ ذلك إلى السلطان فشق عليه وأرسل يستعطفه في العود إلى دار فشرط عليه الرجوع عن العراق في القوت كما شرط أولا فغضب السلطان وسار نحو بغداد والخليفة بالجانب الغربي ثم أرسل خادمه عفيفا لي واسط يمنع عنها نواب السلطان فسار إليه عماد الدين زنكى من البصرة وهزمه وفتك في عسكره قتلا وأسرا وجمع المسترشد السفن إليه وسد أبواب قصره ووكل حاجب الباب ابن الصاحب بدار الخلافة ووصل السلطان إلى بغداد في عشري ذي الحجة ونزل باب الشماسية وأرسل المسترشد في العود والصلح وهو يمتنع وجرت بين العسكرين مناوشة ودخل جماعة من عسكر السلطان إلى دار الخليفة ونهبوا التاج أول المحرم سنة احدى وعشرين وخمسمائة فضج العامة لذلك ونادوا بالجهاد وخرج المسترشد من سرادقه ينتمى بأعلى صوته وضربت الطبول ونفخت البوقات ونصب الجسر وعبر الناس دفعة وعسكر السلطان مشتغلون بالنهب في دور الخلافة والأمراء وكان في دار الخلافة ألف رجل كامنون في السرداب فخرجوا عند ذلك ونالوا من عسكر السلطان وأسروا جماعة من أمرائه ونهب العامة دور وزير السلطان وأمرائه وحاشيته ومثل منهم خلق وعبر المسترشد إلى الجانب الشرقي في ثلاثين ألف مقاتل من أهل بغداد والسواد ودفع السلطان وعسكره عن بغداد وحفر عليها الخنادق واعتزموا على كبس السلطان فأخافهم أبو الهيجاء الكردي صاحب أربل ركب للقتال فلحق بالسلطان ووصل عماد الدين زنكى من البصرة في جيش عظيم في البر والبحر أذهل الناس برؤيته فحام المسترشد عن اللقاء وتردد الرسل بينهما أجاب إلى الصلح وعفا السلطان عن أهل بغداد وأقام بها إلى عاشر ربيع الاخر وأهدى إليه المسترشد سلاحا وخيلا وأموالا ورحل إلى همدان وولى زنكى بن أقسنقر شحنة بغداد ثقة بكفايته واستقامت أحواله مع الخليفة وأشار به أصحابه ورأوا أنه يرقع الخرق ويصلح الامر فولاه على ذلك مضافا إلى ما بيده من البصرة وواسط وسار إلى همدان وقبض في طريقه على وزيره أبى
(٥٤)