الطنبقا الجوباني أمير مجلس أحد أركان الدولة حلف لم يغن عنه وأمر السلطان بالقبض على سولى بن بلقادر حين وفد عليه بحلب فأبى من ذلك صونا لوفائه بزعمه ودس بذلك إلى سولى فهرب ونجا من النكبة ورفد على السلطان سنة خمس وثمانين وجدد حلفه مع الجوباني ومع أشمس الأتابك ورجع إلى حلب ثم خرج بالعساكر إلى التركمان آخر سنة خمس وثمانين دون اذن السلطان فانهزم وفسدت العساكر ونجا بعد ثالثة جريحا وأحقد عليه السلطان هذه كلها ثم استقدمه سنة سبع وثمانين فلما انتهى إلى سرياقوس تلقاه بها استاذدار فتقبض عليه وطير به إلى الإسكندرية فحبس بها مدة عامين وولى مكانه بحلب الحاجب سودون المظفر وكان عيبة نصح للسلطان وعينا على الناصري فيما يأتيه ويذره لأنه من وظائف الحاجب للسلطان في دولة الترك خطة البريد المعروفة في الدول القديمة فهو بطانة السلطان بما يحدث في عمله ويعترض شجا في صدر من يروم الانتقاض من ولاته وكان هذا الحاجب سودون هو الذي ينمى أخباره إلى السلطان ويطلعه على مكامن مكره فلما حبس الناصري بالإسكندرية ولاه مكانه بحلب وارتاب الجوباني من نكبة الناصري لما كان بينهما من الوصلة والحلف فوجم واضطرب وتبين السلطان منه النكر فنكبه كما نذكره بعد أن شاء الله تعالى وأقصاه والله أعلم * (اقصاء الجوباني إلى الكرك ثم ولايته على الشأم بعد واقعة بندمر) * أصل هذا الأمير الجوباني من قبائل الترك واسمه الطنبقا وكان من موالي بيبقا الخاصكي المستولي على السلطان الأشرف وقد مر ذكره ربى في قصره وجو عزه ولقن الخلال والآداب في كنفه وكانت بينه وبين السلطان خلة ومصافاة أكسبتها له تلك الكفالة بما كانا رضيعي ثديها وكوكبي أفقها وتربى مرقاها وقد كان متصلا فيما قبله بينهما من لدن المربى في بلادهم واشتمل بعضهم على بعض واستحكم الاتحاد حتى بالعشرة أيام التمحيص والاغتراب كما مر فلقد كان معتقلا معه بالكرك أيام المحنة خمسا من السنين أدال الله لهذا السلطان حزنها بالمسرة والنحوسة بالسعادة والسجن بالملك وقسمت للجوباني بها شائبة من رحمة الله وعنايته في خدمة السلطان بدار الغربة والمحنة والفتنة به في المنزل الخشن لتعظم له الوسائل وتكرم الأذمة والعهود ان الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا * من كان يألفهم في المنزل الخشن ثم كان انطلاقهما إلى الشأم ومقامهما جميعا واستدعاؤهما إلى دار الملك ورقيهما في درج العز والتغريب كذلك وكان للسلطان أصحاب سراة يمتون إليه بمثل هذه الوسائل وينتظمون في ملكها وكان متميز الرتبة عنهم سابقا في مرقى درجات العز أمامهم مجلبا
(٤٧٦)