وأذهب عدوه منها جهز تلك المرأة للحج بما يناسب قرابتها منه وجهز معها للملك الناصر صاحب مصر هدية فخمة مشتملة على خمسمائة من الجياد المغربيات بعدتها وعدة فرسانها من السروج واللجم والسيوف وظرف المغرب وماعونه من شتى أصنافه ومن ثياب الحرير والصوف والكتان وصنائع الجلد حتى ليزعموا أنه كان فيها من أواني الخزف وأصناف الدر والياقوت وما يشبههما في سبيل التودد وعرض أحوال المغرب على سلطان المشرق ولعظم قدر هذه الوافدة عند الناصر أوفد معها من عظماء قومه ووزرائه وأهل مجلسه فوفدوا على الناصر سنة ثمان وثلاثين وأحلهم بأشرف محل من التكرمة وبعث من إصطبلاته ثلاثين خطلا من البغال يحملون الهدية من بحر النيل سوى ما تبعها من البخاتي والجمال وجلس لهم في يوم مشهود ودخلوا عليه وعرضوا الهدية فعم بها أهل دولته احسانا في ذلك المجلس واستأثر منها على ما زعموا بالدر والياقوت فقط ثم فرقهم في منازله وأنزلهم دار كرامته وقد هيئت بالفرش والماعون ووفر لهم الجرايات واستكثر لهم من الأزودة وبعث أمراء في خدمتهم إلى الحجاز حتى قضوا فرضهم في تلك السنة وانقلبوا إلى سلطانهم فجهز الناصر معهم هدية إلى ملك المغرب تشتمل على ثياب الحرير المصنوعة بالإسكندرية وعين منها الحمل المتعارف في كل سنة لخزانة السلطان وقيمته لذلك العهد خمسون ألف دينار وعلى خيمة من خيم السلطان المصنوعة بالشأم فيها أمثال البيوت والقباب والكفات مرساة أطرافها في الأرض بأوتاد الحديد والخشب كأنها قباب مائلة وعلى خيمة مؤزر باطنها من ثياب الحرير العراقية وظاهرها من ثياب القطن الصرافية مستجادة الصنعة بين الحدل والأوتاد أحسن ما يراه من البيوت وعلى صوان من الحرير مربع الشكل يقام بالحدل الحافظ ظله من الشمس وعلى عشرة من الجياد المقربات الملوكية بسروج ولجم ملوكية مصنوعة من الذهب والفضة مرصعة باللآلئ والفصوص وبعث مع تلك الجياد خدم يقومون بنبائها المتعارف فيها ووصلت الهدية إلى سلطان المغرب فوقعت منه أحسن المواقع وأعاد الكتب والرسل بالشكر واستحكمت المودة بين هذين السلطانين واتصلت المهاداة إلى أن مضيا لسبيلهما والله تعالى ولى التوفيق * (وفاة الخليفة أبى الربيع وولاية ابنه) * قد ذكرنا أيام الظاهر وانه أقام خليفة بمصر من ولد الراشد وصل يومئذ من بغداد واسمه أحمد بن محمد وذكرنا نسبه هنالك إلى الراشد وأنه بويع له بالخلافة سنة ستين وستمائة ولقبه الحاكم فلم يزل في خلافته إلى أن توفى سنة احدى وسبعمائة وقد عهد لابنه سلمان فبايع له أهل دولة الناصر الكافلون لها ولقبوه المستكفى فبقي خليفة سائر أيام
(٤٤١)