يستقل أميرهم بالدولة ويستبد بها دون الأصاغرين المنتصبين بالمملكة وربما أشار بذلك بعض أهل الفتيا يوم بيعة أمير حاج وقال لا بد أن يشرك معه في تفويض الخليفة الأمير القائم بالدولة لتشد الناس إلى عقدة محكمة فأمضى الامر على ذلك وقام الأمير بالدولة فأنس الرعية بحسن سياسته وجميل سيرته واتفق أن جماعة من الأمراء المختصين بهذا الصبى المنصوب غصوا بمكان هذا الأمير وتفاوضوا في الغدر به وكان متولى ذلك منهم آبقا العثماني دوادار السلطان ونمى الخبر إليه بذلك فتقبض عليهم وبعث آبقا إلى دمشق على امارته وغرب الآخرين إلى قوص فاعتقلوا هنالك حتى أنفذ الله فيهم حكمه واشفق الأمراء من تدبر مثل هؤلاء عليهم وتفاوضوا في محو الأصاغر من الدست وقيامه بأمرهم مستقلا فجمعهم لذلك في تاسع عشر رمضان سنة أربع وثمانين وحضر الخاصة والعامة من الجند والقضاة والعلماء وأرباب الشورى والفتيا وأطبقوا على بيعته وعزل السلطان أمير حاج فبعث إليه أميرين من الأمراء فادخلوه إلى بيته وتناولوا السيف من يده فأحضروها ثم ركب هذا السلطان من مجلسه بباب الإصطبل وقد لبس شعار السلطنة وخلعة الخلافة فدخل إلى القصور السلطانية وجلس بالقصر الأبلق على التخت وأتاه الناس ببيعتهم أرسالا وانعقد أمره يومئذ ولقب الملك الظاهر وقرعت الطبول وانتشرت البشائر وخلع على أمراء الدولة مثل أشمس الأتابك والطنبقا الجوباني أمير مجلس وجركس الخليلي أمير الماخورية وسودون الشيخوني نائبا والطنبقا المعلم أمير سلاح ويونس النوروى دوادار وقردم الحسيني رأس نوبة وعلى كتابه أوحد الدين بن ياسين كاتب سره أدال به من بدر الدين بن فضل الله كاتب سر السلطان من قبل وعلى جميع أرباب الوظائف من وزير وكاتب وفاض ومحتسب وعلى مشاهير العلم والفتيا والصوفية وانتظمت الدولة أحسن انتظام وسر الناس بدخولهم في إيالة السلطان يقدر للأمور قدرها ويحكم أواخيها واستأذنه الطنبقا الجوباني أمير مجلس في الحج تلك السنة وأذن له فانطلق لقضاء فرضه وعاد انتهى والله تعالى أعلم * (مقتل قرط وخلع الخليفة ونصب ابن عمه الواثق للخلافة) * كان قرط بن عمر من التركمان المستخدمين في الدولة وكان له اقدام وصرامة رقابهما إلى محل من مرادفة الأمراء في وجوههم ومذاهبهم ودفع إلى ولاية الصعيد ومحاربة أولاد الكنز من العرب الجائلين في نواحي أسوان فكان له في ذلك غناء وأحسن في تشريدهم عن تلك الناحية ثم بعث إلى البحيرة واليا عند انتقاض بدر بن سلام وفراره ومرجع العساكر من تمهيدها فقام بولايتها وتتبع آثار أولئك المنافقين
(٤٧٤)