في خرت برت فحاصره أربعة أشهر واستأمن خليل بعدها وجاء إلى مصر فأمنه السلطان وخلع عليه وولاه ورجع إلى بلده وقومه والله تعالى أعلم * (واقعة الإسكندرية) * كان أهل جزيرة قبرص من أمم النصرانية وهم من بقايا الروم وانما ينتسبون لهذا العهد إلى الإفرنج لظهور الإفرنج على سائر أمم النصرانية والا فقد نسبهم هروشيوش إلى كيتم وهم الروم عندهم ونسب أهل رودس إلى دوداتم وجعلهم اخوة كيتم ونسبهما معا إلى رومان وكانت على أهل قبرص جزية معلومة يؤدونها لصاحب مصر وما زالت مقررة عليهم من لدن فتحها على يد معاوية أمير الشأم أيام عمر وكانوا إذا منعوا الجزية يسلط صاحب الشام عليهم أساطيل المسلمين فيفسدون مراسيها ويعيثون في سواحلها حتى يستقيموا لأداء الجزية وتقدم لنا آنفا في دولة الترك أن الظاهر بيبرس بعث إليها سنة تسع وستين وستمائة أسطولا من الشواني وطرقت مرساها ليلا فتكسرت لكثرة الحجارة المحيطة بها في كل ناحية ثم غلب لهذه العصور أهل جنوة من الإفرنج على جزيرة رودس حازتها من يد لشكري صاحب القسطنطينية سنة ثمان وسبعمائة وأخذوا بمخنقها وأقام أهل قبرص معهم بين فتنة وصلح وسلم وحرب آخر أيامهم وجزيرة قبرص هذه على مسافة يوم وليلة في البحر قبالة طرابلس منصوبة على سواحل الشأم ومصر واطلعوا بعض الأيام على غرة في الإسكندرية وأخبروا حاجبهم وعزم على انتهاز الفرصة فيها فنهض في أساطيله واستنفر من سائر الإفرنج ووافى مرساها سابع عشر من المحرم سنة سبع وستين في أسطول عظيم يقال بلغ سبعين مركبا مشحونة بالعدة والعدد ومعه الفرسان المقاتلة بخيولهم فلما أرسى بها قدمهم إلى السواحل وعبى صفوفه وزحف وقد غص الساحل بالنظارة برزوا من البلد على سبيل النزهة لا يلقون بالا لما هو فيه ولا ينظرون مغبة أمره لبعد عهدهم بالحرب وحاميتهم يومئذ قليلة وأسوارهم من الرماة المناضلين دون الحصون خالية ونائبها القائم بمصالحها في الحرب والسلم وهو يومئذ خليل بن عوام غائب في قضاء فرضه فما هو إلا أن رجعت تلك الصفوف على التعبية ونضحوا العوام بالنبل فأجفلوا متسابقين إلى المدينة وأغلقوا أبوابها وصعدوا إلى الأسوار ينظرون ووصل القوم إلى الباب فأحرقوه واقتحموا المدينة واضطرب أهلها وماج بعضهم في بعض ثم أجفلوا إلى جهة البر بما أمكنهم من عيالهم وولدهم وما اقتدروا عليه من أموالهم وسالت بهم الطرق والأباطح ذاهبين في غير وجه حيرة ودهشة وشعر بهم الاعراب أهل الضاحية فتخطفوا الكثير منهم وتوسط الإفرنج المدينة ونهبوا ما مروا عليه من الدور وأسواق البر ودكاكين الصيارفة ومودعات التجار وملؤوا
(٤٥٤)