الشعاب فكبسهم ولم يفلت منهم أحد وكان فيهم مقدمان من الاستبارية فحملهما إلى صلاح الدين على صفد فأحضرهما للقتل على عادته في الفداوية والاستبارية فاستعطفه واحد منهما فعفا عنهما وحبسهما ولما فتح صفد سار إلى كوكب وحاصره وارسل إليهم بالأمان فأصروا على الامتناع عليه فنصب عليهم المجانيق وتابع المزاحفة ثم عاقه المطر عن القتال وطال مقامه فلما انقضى المطر عاود المزاحفة وضايقهم بالسور ونقب منه برجا فسقط فارتاعوا واستأمنوا وملك الحصن منتصف ذي القعدة من السنة ولحق الإفرنج بصور واجتمع الزعماء وتابعوا الرسل إلى إخوانهم وراء البحر في حوزة يستصرخونهم فتابعوا إليهم المدد واتصل المسلمون في الساحل من إيلة إلى بيروت لا يفصل بينهم الا مدينة صور ولما فرغ صلاح الدين من صفد وكوكب سار إلى القدس فقضى فيه نسك الأضحى ثم سار إلى عكا فأقام بها إلى انسلاخ الشتاء والله تعالى أعلم * (فتح الشقيف) * ثم سار صلاح الدين في ربيع سنة خمس وثمانين إلى محاصرة الشقيف وكان لارناط صاحب صيدا وهو من أعظم الناس مكرا ودهاء فلما نزل صلاح الدين بمرج العيون جاء إليه وأظهر له المحبة والميل وطلب المهلة إلى جمادى الأخيرة ليتخلص أهله وولده من المركيش بصور ويسلم له حصن الشقيف فأقام صلاح الدين هنالك لوعده وانقضت مدة الهدنة ب بينه وبين سمند صاحب أنطاكية فبعث تقى الدين ابن أخيه مسلحة في العساكر إلى البلاد التي قرب أنطاكية ثم بلغه اجتماع الإفرنج بصور عند المركيش وأن الامداد وافتهم من أهل ملتهم وراء البحر وأن ملك الإفرنج بالشام الذي أطلقه صلاح الدين بعد فتح القدس قد اتفق مع المركيش ووصل يده به واجتمعوا في أمم لا تحصى وخشى أن يتقدم إليهم ويترك الشقيف وراءه فتنقطع عنه الميرة فأقام بمكانه فلما انقضى الاجل تقدم إلى الشقيف واستدعى ارناط فجاء واعتذر بأن المركيش لم يمكنه من أهله وولده وطلب الامهال مرة أخرى فتبين صلاح الدين مكره فحبسه وأمره أن يبعث إلى أهل الشقيف بالتسليم فلم يجب فبعث به إلى دمشق فحبس بها وتقدم إلى الشقيف فحاصره بعد أن أقام مسلحة قبالة الإفرنج الذين بظاهر صور فجاءه الخبر بأنهم فارقوا صور لحصار صيدا فلقيتهم المسلحة وقاتلوهم فغلبوهم وأسروا سبعة من فرسانهم وقتلوا آخرين وقتل مولى لصلاح الدين من أشجع الناس وردوهم على أعقابهم إلى معسكرهم بظاهر صور وجاء صلاح الدين بعد انقضاء الوقعة فأقام في المسلحة رجاء أن يصادف أحدا من الإفرنج فينتقم منهم وركب في بعض الأيام ليشارف معسكر الإفرنج فظن عسكره أنه يريد القتال فنجعوا وأوغلوا إلى العدو وبعث صلاح الدين الأمراء في أثرهم يردونهم فلم يرجعوا ورآهم
(٣١٧)