فخف على أهل البلد ما كانوا فيه وأقاموا كذلك ثلاثة أيام يقاتلون الجهتين وعجزوا عن دفع الأبراج ورموها بالنفط فلم يؤثر فيها وكان عندهم رجل من أهل دمشق يعاني أحوال النفط فأخذ عقاقير وصنعها وحضر عند قراقوش حاكم البلد وأعطاه دواء وقال ارم بهذا في المنجنيق المقابل لاحدى الأبراج فيحترق فحرد عليه ثم وافق ورمى به في قدر ثم رمى بعده بقدر أخرى مملوءة نارا فاضطرمت النار واحترق البرج بمن فيه ثم فعل بالثاني والثالث كذلك وفرح أهل البلد وتخلصوا من تلك الورطة فأمر صلاح الدين بالاحسان إلى ذلك الرجل فلم يقبل وقال انما فعلته لله ولا أريد الجزاء الا منه ثم بعث صلاح الدين إلى ملوك الأطراف ليستنفرهم فجاء عماد الدين زنكي بن مودود صاحب سنجار ثم علاء الدين بن طالب صاحب الموصل ثم عز الدين مسعود بن مودود وبعثه أبوه بالعساكر ثم زين الدين صاحب أربل وكان كل واحد منهم إذا وصل يتقدم بعسكره فيقاتلون الإفرنج ثم يضربون أبنيتهم وجاء الخبر بوصول الأسطول من مصر فجهز الإفرنج أسطولا لقتاله وشغلهم صلاح الدين بالقتال ليتمكن الأسطول من دخول عكا فلم يشغلوا عنه وقاتلوا الفريقين برا وبحرا ودخل الأسطول إلى مرسى عكا سالما والله تعالى أعلم بغيبه * (وصول ملك الألمان إلى الشأم ومهلكه) * هؤلاء الألمان شعب من شعوب الإفرنج كثير العدد موصوف بالبأس والشدة وهم موطنون بجزيرة انكلطيرة في الجهة الشمالية الغربية من البحر المحيط وهم حديثو عهد بالنصرانية ولما سار القسس والرهبان بخبر بيت المقدس واستنفار النصرانية لها قام ملكهم لها وقعد وجمع عساكره وسار للجهاد بزعمه وفسح النصارى له الطريق وقصد القسطنطينية فعجز ملك الروم عن منعه بعد أن كان يعد بذلك نفسه وكتب بها إلى صلاح الدين لكنه منع عنهم الميرة فضاقت عليهم الأقوات وعبروا خليج القسطنطينية ومروا بمملكة قليج أرسلان وتبعهم التركمان يحفون بهم ويتخطفون منهم وكان الفصل شتاء والبلاد باردة فهلك أكثرهم من البرد والجوع ومروا بقونية وبها قطب الدين ملك شاه بن قليج أرسلان قد غلب عليه أولاده وافترقوا في النواحي فخرج ليصدهم فلم يطق ذلك ورجع فساروا في أثره إلى قونية وبعثوا إليه بهدية على أن يأذن لهم في الميرة فاذن لهم واسترهنوا عشرين من أمرائه وتكاثر عليهم اللصوص فقيدوا أولئك الأمراء وحبسوهم وساروا إلى بلاد الأرمن وصاحبها كاقولى بن حطفاى بن اليون فأمدهم بالأزواد والعلوفات وأظهر طاعتهم وسار إلى
(٣٢١)