وكان بالأرض هشيم أصابه شرر فاضطرم نارا فجهدهم لفحها ومات جلهم من العطش فوهنوا وأحاط بهم المسلمون من كل ناحية فارتفعوا إلى تل بناحية حطين لينصبوا خيامهم به فلم يتمكنوا الا من خيمة الملك فقط والسيف يجول فيهم مجاله حتى فنى أكثرهم ولم يبق الا نحو المائة والخمسين من خلاصة زعمائهم مع ملكهم والمسلمون يكرون عليهم مرة بعد أخرى حتى ألقوا ما بأيديهم وأسروا الملك وأخاه البرنس ارناط صاحب الكرك وصاحب جبيل وابن هنفرى ومقدم الفداوية وجماعة من الفداوية والاستبارية ولم يصابوا منذ ملكوا هذه البلاد أعوام التسعين والأربعمائة بمثل هذه الوقعة ثم جلس صلاح الدين في خيمته وأحضر هؤلاء الأسرى فقرع الملك ووبخه بعد أن أجلسه إلى جانبه وفاء بمنصب الملك وقام إلى البرنس فتولى قتله بيده حرصا على الوفاء بنذره بعد أن عرفه بغدرته وبجسارته على ما كان يرومه في الحرمين وحبس الباقين وأما القمص صاحب طرابلس فنجا كما ذكرناه إلى بلده ثم مات لأيام قلائل أسفا ولما فرغ صلاح الدين من هزيمتهم نهض إلى طبرية فنازلها واستأمنت إليه الملكة بها فأمنها في ولدها وأصحابها ومالها وخرجت إليه فوفى لها وبعث الملك وأعيان الأسرى إلى دمشق فحبسوا بها وجمع أسرى الفداوية والاستبارية بعد أن بذل لمن يجده منهم من المقاتلة خمسين دينارا مصرية لكل واحد وقتلهم أجمعين قال ابن الأثير ولقد اجتزت بمكان الوقعة بعد سنة فرأيت عظامهم ماثلة على البعد أجحفتها السيول ومزقتها السباع ولما فرغ صلاح الدين من طبرية سار عنها إلى عكا فنازلها واعتصم الإفرنج الذين بها بالأسوار وشادوا بالاستئمان فأمنهم وخيرهم فاختاروا الرحيل فحملوا ما أقلته رحالهم ودخلها صلاح الدين غرة جمادى سنة ثلاث وثمانين وصلوا في جامعها القديم الجمعة يوم دخولهم فكانت أول جمعة أقيمت بساحل الشأم بعد استيلاء الإفرنج عليه وأقطع صلاح الدين بلد عكا لابنه الأفضل وجميع ما كان فيه للفداوية من أقطاع وضياع ووهب للفقيه عيسى الهكاري كثيرا مما عجز الإفرنج عن حمله وقسم الباقي على أصحابه ثم قسم الأفضل ما بقي في أصحابه بعد مسير صلاح الدين ثم أقام صلاح الدين أياما حتى أصلح أحوالها ورحل عنها والله تعالى أعلم * (فتح يافا وصيدا وجبيل وبيروت وحصون عكا) * لما هزم صلاح الدين الإفرنج كتب إلى أخيه العادل بمصر يسيره ويأمره بالمسير إلى جهات الإفرنج من جهات مصر فنازل حصن مجدل وفتحه وغنم ما فيه ثم سار إلى مدينة يافا ففتحها عنوة واستباحها وكان صلاح الدين أيام مقامه بعكا بعث بعوثه إلى قيسارية وحيفا وسطوريه وبعليا وسقف وغيرها في نواحي عكا فملكوها واستباحوها
(٣٠٧)