من إفريقية فراسله صلاح الدين ولاطفه ولما وصل اقطعه حماة ومنبج والمعرة وكفرطاب وجبل جوز وسائر أعمالها وقيل إن تقى الدين لما أرجف بمرض صلاح الدين وموته تحرك في طلب الامر لنفسه وبلغ ذلك صلاح الدين فأرسل الفقيه عيسى الهكاري وكان مطاعا فيهم وأمره باخراج تقى الدين من مصر والمقام بها فسار ودخلها على حين غفلة وأمر تقى الدين بالخروج فأقام خارج البلد وتجهز للمغرب فراسله صلاح الدين إلى آخر الخبر والله تعالى أعلم [اتفاق القمص صاحب طرابلس مع صلاح الدين ومنابذة البرنس صاحب الكرك له وحصاره إياه والإغارة على عكا] كان القمص صاحب طرابلس وهو ريمند بن ريمند بن صنجيل تزوج بالقومصة صاحبة طبرية وانتقل إليها فأقام عندها ومات ملك الإفرنج بالشأم وكان مجذوما كما مر وأوصى بالملك لابن أخيه صغيرا فكفله هذا القمص وقام بتدبير ملكه لعظمه فيهم وطمع أن تكون كفالته ذريعة إلى الملك ثم مات الصغير فانتقل الملك إلى أبيه ويئس القمص عندها مما كان يحدث به نفسه ثم إن الملكة تزوجت ابن غتم من الإفرنج القادمين من المغرب وتوجته وأحضرت البطرك والقسوس والرهبان والاستبارية والدواوية واليارونة وأشهدتهم خروجها له عن الملك ثم طولب القمص بالجباية أيام كفالته الصبى فأنف وغضب وجاهر بالشقاق لهم وراسل صلاح الدين وسار إلى ولايته وخلف له على مصره من أهل ملته وأطلق له صلاح الدين جماعة من زعماء النصارى كانوا أسارى عنده فازداد غبطة بمظاهرته وكان ذلك ذريعة لفتح بلادهم وارتجاع القدس منهم وبث صلاح الدين السرايا من ناحية طبرية في سائر بلاد الإفرنج فاكتسحوها وعادوا غانمين وذلك كله سنة ثنتين وثمانين وكان البرنس ارناط صاحب الكرك من أعظم الإفرنج مكرا وأشدهم ضررا وكان صلاح الدين قد سلط الغارة والحصار على بلده حتى سأل في الصلح فصالحه فصلحت السابلة بين الآمين ثم مرت في هذه السنة قافلة كثيرة التجار والجند فغدر بهم وأسر وأخذ ما معهم وبعث إليه صلاح الدين فأصر على غدرته فنذر أنه يقتله ان ظفر به واستنفر الناس للجهاد من سائر الاعمال من الموصل والجزيرة وأربل ومصر والشأم وخرج من دمشق في محرم سنة ثلاث وثمانين وانتهى إلى رأس الماء وبلغه ان البرنس ارناط صاحب الكرك يريد أن يتعرض للحاج من الشأم وكان معهم ابن أخيه محمد بن لاجين وغيره فترك من العساكر مع ابنه الأفضل على وسار إلى بصرى وسمع البرنس بمسيره فأحجم عن الخروج ووصل الحاج سالمين وسار صلاح الدين إلى الكرك وبث السرايا في أعمالها وأعمال
(٣٠٥)