الجرايات وتقدم ببناء الربط والمدارس فكانت من مكارمه رحمه الله تعالى وارتحل الإفرنج بعد أن باعوا جميع ما يملكونه من العقار بأرخص ثمن واشتراه أهل العسكر ونصارى القدس الأقدمون بعد أن ضربت عليهم الجزية كما كانوا والله تعالى أعلم * (حصار صور ثم صفد وكوكب والكرك) * لما فتح صلاح الدين القدس أقام بظاهره إلى آخر شعبان من السنة حتى فرغ من جميع أشغاله ثم رحل إلى مدينة صور وقد اجتمع فيها من الإفرنج عوالم وقد نزل بها المركيش وضبطها ولما انتهى صلاح الدين إلى عكا أقام بها أياما فبالغ المركيش في الاستعداد وتعميق الخنادق واصلاح الأسوار وكان البحر يحيط بها من ثلاث جهاتها فوصل جانب اليمين بالشمال وسارت كالجزيرة وسار إليها فنزل عليها لتسع بقين من رمضان على تل يشرف منه على مكان القتال وجعل القتال على أقيال عسكره نوبا بين ابنه الأفضل وابنه الظاهر وأخيه العادل وابن أخيه تقى الدين ونصب عليها المجانيق والعرادات وكان الإفرنج يركبون في الشواني والحراقات ويأتون المسلمين من ورائهم فيرمون عليهم من البحر ويقاتلونهم ويمنعونهم من الدنو إلى السور فبعث صلاح الدين عن أسطول مصر من مرسى عكا فجاء ودافع الإفرنج وتمكن المسلمون من قتال الأسوار وحاصروها برا وبحرا ثم كبس أسطول الإفرنج خمسة من أساطيل المسلمين ففتكوا بهم ورد صلاح الدين الباقي إلى بيروت لقلتها فاتبعها أساطيل الإفرنج فلما أرهقوهم في الطلب ألقوا بأنفسهم إلى الساحل وتركوها فحكمها صلاح الدين ونقضها وجد في حصار صور فلم يفد وامتنعت عليه لما كان فيها من كثرة الإفرنج الذين أمنهم بعكا وعسقلان والقدس فنزلوا إليها بأموالهم وأمدوا صاحبها واستدعوا الإفرنج وراء البحر فوعدوهم بالنصر وأقاموا في انتظارهم ولما رأى صلاح الدين امتناعها شاور أصحابه في الرحيل فترددوا وتخاذلوا في القتال فرحل آخر شوال إلى عكا وأذن للعساكر في المشي إلى أوطانهم إلى فصل الربيع وعادت عساكر الشرق والشأم ومصر وأقام بقلعة عكا في خواصه ورد أحكام البلد إلى خرديك من أمراء نور الدين وكان صلاح الدين عندما اشتغل بحصار عسقلان بعث عسكر الحصار صور فشددوا حصارها وقطعوا عنها الميرة وبعثوا إلى صلاح الدين وهو يحاصر صور فاستأمنوا له ونزلوا عنها فملكها وكان أيضا صلاح الدين لما سار إلى عسقلان جهز عسكرا لحصار قلعة كوكب يحرسون السابلة في طريقها من الإفرنج الذين فيها وهي مطلة على الأردن وهي للاستبارية وجهز عسكر الحصار صفد وهي للفداوية مطلة على طبرية ولجأ إلى هذين الحصنين من سلم من وقعة حطين وامتنعوا بهما فلما جهز العساكر إليهما صلحت الطريق
(٣١١)