الإفرنج فظنوا أن وراءهم كمينا فأرسلوا من يكشف خبرهم فوجدوهم منقطعين فحملوا عليهم وأناموهم جميعا وذلك تاسع جمادى الأولى من السنة ثم انحدر إليهم صلاح الدين في عساكره من الجبل فهزمهم إلى الجسر وغرق منهم في البحر نحو من مائة دارع سوى من قتل وعزم السلطان على حصارهم واجتمع إليه الناس ثم عاد الإفرنج إلى صور وعاد السلطان إلى بليس ليشارف عكا ويرجع إلى مخيمه ولما وصل إلى المعسكر جاء الخبير بأن الإفرنج يتعدون عن صدور مذاهبهم لحاجاتهم فكتب إلى المعسكر بعكا ووعدهم ثامن جمادى الأخيرة يوافونه من ناحيتهم للإغارة عليهم وأكمن لهم في الأودية والشعاب من سائر النواحي واختار جماعة من فرسان عسكره وتقدم إليهم بأن يتعرضوا للإفرنج ثم يستطردوا لهم إلى مواضع الكمناء ففعلوا وناشبوا الإفرنج وانفوا من الاستطراد وطال على الكمناء الانتظار فخرجوا خشية على أصحابهم فوافوهم في شدة الحرب فانهزم المسلمون ووقع التمحيص وكان أربعة في الكمين من امرا طيئ فعدلوا عن طريق أصحابهم وملكوا الوادي وتبعهم بعض العسكر من موالي صلاح الدين ورآهم الإفرنج في الوادي فعلموا أنهم أضلوا الطريق فاتبعوهم وقتلوهم والله تعالى أعلم * (محاصرة الإفرنج أهل صور لعكا والحروب عليها) * كانت صور كما قدمنا ضبطها المركيش من الإفرنج الواصل من وراء البحر وقام بها وكان كلما فتح صلاح الدين مدينة أو حصنا على الأمان لحق أهلها بصور فاجتمع بها عدد عظيم من الإفرنج وأموال جمة ولما فتح القدس لبس كثير من رهبانهم وقسيسيهم وزعمائهم السواد حزنا على البيت المقدس وارتحل بطرك من القدس وهم معه يستصرخون أهل الملة النصرانية من وراء البحر للاخذ بثأر القدس فخرجوا للجهاد من كل بلد حتى النساء اللواتي يجدن القوة على الحرب ومن لم يستطع الخروج استأجر مكانه وبذلوا الأموال لهم وجاء الإفرنج من كل مكان ونزلوا بصور ومدد الرجال والأقوات والأسلحة متداركة لهم في كل وقت واتفقوا على الرحيل إلى عكا ومحاصرتها فخرجوا ثامن رجب من سنة خمس وثمانين وسلكوا على طريق الساحل وأساطيلهم تحاذيهم في البحر ومسلحة المسلمين تتخطفهم من جوانبهم حتى وصلوا إلى عكا منتصف رجب وكان رأى صلاح الدين أن يحاذيهم في مسيرهم لينال منهم فخالفه أصحابه واعتذروا بضيق الطريق ووعره فسلك طريقا آخر ووافاهم على عكا وقد نزلوا عليها وأحاطوا بها من البحر إلى البحر فليس للمسلمين إليها طريق ونزل صلاح الدين قبالتهم وبعث إلى الأطراف يستنفر الناس فجاءت عساكر الموصل وديار بكر وسنجار وسائر
(٣١٨)