فوائد الأصول - الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني - ج ٤ - الصفحة ١١
ضمن جميع الأطراف وقضيتين مشكوكتين في كل طرف بالخصوص (1) فلو
(١) أقول: مقتضى التحقيق أن يقال: إن العلم تارة يتعلق بعنوان إجمالي بشئ، وأخرى يتعلق بعنوان تفصيلي له، والأول هو المسمى بالعلم الاجمالي، والثاني بالعلم التفصيلي، ومرجع الفرق بينهما إلى التفصيل والاجمال في معروض العلم ومتعلقه، وإلا ففي نفس العلم لا فرق بينهما، وحينئذ لا مجال لاتصاف العلم بالتفصيلي إلا مع كون متعلقه عنوانا تفصيليا لشئ، وإلا فمع إجمال متعلقه لا محيص إلا من كونه إجماليا، والتعبير عنه حينئذ بالعلم التفصيلي في غير محله.
ثم إن من لوازم العلم بالعنوان الاجمالي محضا الشك بعنوان كل واحد من طرفيه تفصيلا، ولذلك يكون العلم الاجمالي توأما مع الشكين تفصيليين أو أزيد، حسب ازدياد طرف العلم عن الاثنين، وحيث إن قوام العلم والشك في عالم العروض بنفس العنوان من دون سرايته منه إلى المعنون - ولذا يكون الخارج ظرف اتصافه بالمعلومية أو المشكوكية، وإلا فظرف عروضه ليس إلا الذهن، بشهادة أنه ربما لا يكون موجودا في الخارج، مع أن العلم والشك وأمثالهما من الصفات المتقومة بوجود المعروض موجود فلا محيص من أن يكون معروضها المقوم بوجودها ما هو المخزون في الذهن، غاية الامر في عالم عروضها عليه لابد وأن يلحظ الموجود الذهني بنحو الفناء في الخارجيات، بمعنى كونه ملحوظا خارجيا بلا نظر إلى حيث ذهنيته. وبعدما كان كذلك، فنقول: من البديهي أن العنوان الاجمالي في عالم العنوانية مبائن مع العنوان التفصيلي وإن اتحدا وجودا ولازمه عدم سراية العلم الاجمالي القائم بعنوانه إلى المعنون التفصيلي، إذ في عالم العروض كل واحد من العناوين الاجمالية والتفصيلية غير الآخر، فالعارض لاحد العنوانين غير عارض للآخر، ومن ذلك يجتمع الشك بالعنوان التفصيلي مع العلم بالعنوان الاجمالي مع اتحادهما وجودا وخارجا، ولولا تباين المعروضين للزم اجتماع اليقين والشك في شئ واحد، مع أن التضاد بين اليقين والشك كالنار على المنار، وذلك أيضا شاهدصدق على عدم سراية هذه الصفات إلى الوجود الخارجي، بل وقوفها بنفس العنوان، فان العنوانين حينئذ لما كانا متباينان لا يبقى جهة تضاد بينهما، لعروض كل منهما بعنوان غير معروض الآخر. وحيث عرفت ذلك نقول: في فرض دوران الامر بين المعروضين ما هو معروض العلم هو عنوان " أحد الامرين " لا خصوص الفعل ولا خصوص الترك، فكل واحد من الفعل والترك بهذا العنوان التفصيلي لهما تحت الشك، وحينئذ فلو كان موضوع الإباحة التعبدية الشك في لزوم الفعل أو الترك، فكل واحد بعنوان الفعل أو الترك مشكوك، وإن كان بعنوان أحدهما معلوم الالزام، وعليه فلو ورد في البين ترخيص في فعله وتركه، لا يكاد يشمل هذا الترخيص التعبدي أزيد من الفعل المشكوك والترك المشكوك، ولا يكاد يشمل العنوان الاجمالي المعلوم، كي لا يصح التعبد بالنسبة إليه، ولكن ذلك المقدار لا يفيد ولا يقتضي في منع شموله للطرفين تفصيلا من عنوان الفعل والترك، والمفروض أن أصل الإباحة التعبدية أيضا لا يقتضي أزيد من الترخيص في طرفي الفعل والترك، ولا يشمل لعنوان أحدهما المبائن مع عنواني الفعل والترك، كي يلزم عدم صحة التعبد بالإباحة في مورد العلم بالمحذورين.
وتوهم عدم جريان أصالة الإباحة في المحذورين دون سائر الأصول الجارية في الطرفين في غاية الدفع، وحينئذ لا يبقى في البين إلا شبهة مضادة الترخيصين مع الالزام الواقع، وبعد إمكان الجمع بين الإباحة الظاهرية مع اللزوم الواقعي لا يبقى مانع عن الجريان إلا حيث تنجيز الواقع، ومع عدم تنجزه أيضا بحكم العقل لا يبقى مجال لرفع اليد عن إطلاق أصالة الحلية في مثل المورد - كاطلاق أدلة سائر الأصول للطرفين ولو لدفع احتمال ايجاب الاحتياط الشرعي في البين - كي يتوهم بأن مع حكم العقل تنجزيا بالتخيير لا مجال لجريان الترخيص الشرعي، كما لا يخفى.