موتور وكان طلحة والزبير ممن بايعه ثم نكثا بيعته على غير حدث إلا أن هذا الدين لا يحتمل الفتن الا وان العرب لا تحتمل السيف وقد كانت بالبصرة أمس ملحمة ان يشفع البلاء بمثلها فلا بقاء للناس وقد بايعت العامة عليا ولو ملكنا والله أمورنا لم نختر لها غيره ومن خالف هذا استعتب فادخل يا معاوية فيما دخل فيه الناس فان قلت استعملني عثمان ثم لم يعزلني فان هذا أمر لو جاز لم يقم لله دين وكان لكل امرئ. ما في يديه ولكن الله لم يجعل للآخر من الولاة حق الأول وجعل تلك أمورا موطأة وحقوقا ينسخ بعضها بعضا فقال معاوية انظر وننظر واستطلع رأي أهل الشام فلما فرغ جرير من خطبته أمر معاوية فنادى الصلاة جامعة فلما اجتمع الناس صعد المنبر وخطب خطبة قال في آخرها: أيها الناس قد علمتم اني خليفة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وخليفة عثمان بن عفان عليكم واني ولي عثمان وقد قتل مظلوما والله يقول: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل انه كان منصورا وأنا أحب أن تعلموني ذات أنفسكم في قتل عثمان فقام أهل الشام بأجمعهم فأجابوا إلى الطلب بدم عثمان واستحثه جرير بالبيعة، فقال: يا جرير انها ليست بخلسة وأنه امر له ما بعده فأبلعني ريقي انظر ودعا ثقاته فأشار عليه اخوة عتبة بن أبي سفيان بعمرو بن العاص وقال له أثمن له بدينه فإنه من عرفت فكتب معاوية إلى عمرو وهو بالسبع من فلسطين انه كان من امر طلحة والزبير ما قد بلغك وقد قدم علينا جرير بن عبد الله في بيعة علي وقد حبست نفسي عليك حتى تأتيني فأتاه عمرو وجعل له مصر طعمة على أن يساعده على حرب علي عليه السلام ثم قال ما ترى في علم قال أرى فيه خيرا أتاك في هذه البيعة خير أهل العراق ومن عند خير الناس في أنفس الناس ودعواك أهل الشام إلى رد هذه البيعة خطر شديد ورأس أهل الشام شرحبيل بن السمط الكندي - رئيس اليمامة - وهو عدو لجرير المرسل إليك فأرسل اليه ووطن له ثقاتك فليفشوا في الناس ان عليا قتل عثمان فكتب إلى شرحبيل ان جرير بن عبد الله قدم علينا من عند علي بن أبي طالب بأمر فظيع فأقدم ودعا معاوية جماعة فأمرهم أن يلقوه ويخبروه أن عليا قتل عثمان وجاء شرحبيل فدخل على معاوية فقال معاوية يا شرحبيل ان جرير بن عبد الله يدعونا إلى بيعة علي وعلي خير الناس لولا أنه قتل عثمان بن عفان وحبست نفسي عليك وإنما أنا رجل من أهل الشام أرضى بما رضوا وأكره ما كرهوا فقال شرحبيل أخرج فانظر فخرج فلقيه هؤلاء فكلهم يخبره بان عليا قتل عثمان فغضب وقال لمعاوية لئن بايعت عليا لنخرجنك من الشام، قال معاوية ما كنت لأخالف عليكم قال فرد هذا الرجل إلى صاحبه إذن فعرف معاوية أن شرحبيل قد نفذت بصيرته في حرب أهل العراق وإن الشام كله مع شرحبيل وقال شرحبيل للحصين بن نمير أبعث إلى جرير فبعث اليه فاجتمعا عنده قال شرحبيل يا جرير أتيتنا بأمر ملفف لتلقينا في لهوات الأسد وأرادت ان تخلط الشام بالعراق وأطرأت عليا وهو قاتل عثمان والله سائلك عما قلت يوم القيامة فقال جرير أما قولك اني جئت بأمر ملفف فكيف يكون ملففا وقد اجتمع عليها المهاجرون و الأنصار وقوتل على رده طلحة والزبير وأما قولك اني ألقيتك في لهوات الأسد ففي لهواته ألقيت نفسك وأما خلط الشام بالعراق فخلطهما على حق خير من فراقهما على باطل وأما قولك ان عليا قتل عثمان فوالله ما في يدك من ذلك إلا القذف بالغيب من مكان بعيد، ولكنك ملت إلى الدنيا وشئ كان في نفسك علي زمن سعد بن أبي وقاص فبلغ معاوية قول الرجلين فبعث إلى جرير فزجره ولم يدر ما أجابه أهل الشام وكتب جرير إلى شرحبيل: شرحبيل يا ابن الصمت لا تتبع الهوى * فما لك في الدنيا من الدين من بدل وقل لابن حرب ما لك اليوم حرمة * تروم بها ما رمت فاقطع له الامل شرحبيل ان الحق قد جد جده * وأنك مأمون الأديم من النغل فأورد ولا تفرط بشئ نخافه * عليك ولا تعجل فلا خير في العجل ولا تك كالمجري إلى شر غاية * فقد خرق السربال واستنوق الجمل وقال ابن هند في علي عضيهة * ولله في صدر ابن أبي طالب أجل وما لعلي في ابن عفان سقطة * بأمر ولا جلب عليه ولا قتل وما كان إلا لازما قعر بيته * إلى أن أتى عثمان في بيته الاجل فمن قال قولا غير هذا فحسبه * من الزور والبهتان قول الذي احتمل وصي رسول الله من دون أهله * وفارسه الحامي (الأولى) به يضرب المثل فلما قرأ شرحبيل الكتاب ذعر وفكر وقال هذه نصيحة لي في ديني ودنياي، ولا والله لا أعجل في هذا الامر بشئ وفي نفسي منه فلفف له معاوية الرجال يدخلون اليه ويخرجون ويعظمون عنده قتل عثمان ويرمون به عليا ويقيمون الشهادة الباطلة والكتب المختلفة حتى أعادوا رأيه وشحذوا عزمه اه وذلك لما سبق في علم الله من شقاثه وروى نصر أيضا بسنده عن الشعبي ان شرحبيل قال لمعاوية ان كنت رجلا تجاهد عليا وقتلة عثمان استعملناك علينا وإلا عزلناك واستعملنا غيرك ثم جاهدنا معه حتى ندرك دم عثمان أو نهلك فقال جرير يا شرحبيل مهلا فان الله قد حقن الدماء ولم الشعث وجمع أمر الأمة ودنا من هذه الأمة سكون فإياك ان تفسد بين الناس وأمسك عن هذا القول قبل ان يظهر منك قول لا تستطيع رده قال لا والله لا أسره ابدا ثم قام فتكلم، فقال الناس صدق صدق القول ما قال والرأي ما رأى فايس جرير عند ذلك من معاوية ومن عوام أهل الشام. وروى نصر أيضا ان معاوية اتى جريرا في منزله فقال يا جرير اني قد رأيت رأيا قال: هاته قال اكتب إلى صاحبك يجعل لي الشام ومصر جباية فإذا حضرته الوفاة لم يجعل لاحد بعده بيعة في عنقي واسلم له هذا الامر واكتب اليه بالخلافة فقال جرير اكتب بما أردت واكتب معك فكتب معاوية بذلك إلى علي فكتب علي إلى جرير اما بعد فإنما أراد معاوية ان لا يكون لي في عنقه بيعة وان يختار من امره ما أحب وأراد ان يريثك حتى يذوق أهل الشام وان المغيرة بن شعبة كان قد أشار علي ان استعمل معاوية على الشام وأنا بالمدينة فأبيت ذلك عليه ولم يكن الله ليراني اتخذ المضلين عضدا فان بايعك الرجل والا فاقبل. قال فخرج جرير يتجسس الاخبار فإذا هو بغلام يتغنى على قعود له وهو يقول:
حكيم وعمار الشجا ومحمد * واشتر والمكشوح جروا الدواهيا وقد كان فيها للزبير عجاجة * وصاحبة الأدنى أشاب النواصيا فأما علي فاستغاث ببيته * فلا آمر فيها ولم يك ناهيا وقل في جميع الناس ما شئت بعده * وان قلت أخطأ الناس لم تك خاطيا وان قلت عم القوم فيه بفتنة * فحسبك من ذاك الذي كان كافيا فقولا لأصحاب النبي محمد * وخصا الرجال الأقربين المواليا أيقتل عثمان بن عفان وسطكم * على غير شئ ليس إلا تماديا فلا نوم حتى نستبيح حريمكم * ونخضب من أهل الشنان العواليا قال جرير يا ابن أخي من أنت قال انا غلام من قريش وأصلي من