الصحيح من وجه آخر. قال البخاري: مات جعدة في خلافة معاوية اه. وفي تهذيب التهذيب جعدة بن هبيرة له صحبة: قلت في جزم المؤلف ان له صحبة نظر فقد ذكره في التابعين البخاري وأبو حاتم وابن حبان و ذكره البغوي في الصحابة لكن قال يقال إنه ولد على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليست له صحبة، وعن أبي داود لم يسمع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيئا وقال العجلي مدني تابعي ثقة. وذكره العسكري فيمن روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا ولم يلقه وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن مصعب بن عبد الله الزبيري قال جعدة أمه أم هانئ بنت أبي طالب ولها يقول هبيرة حين أسلمت:
أشاقتك هند ان اتاك سؤالها * كذاك النوى أسبابها وانفتالها فان كنت قد تابعت دين محمد * وقطعت الأرحام منك حبالها وقد أرقت في رأس حصن ممرد * بنجران كسرى بعد نوم خيالها فكوني على أعلى سحيق بهضبة * ممنعة لا يستطاع تلالها (قال) مصعب ومات هبيرة بنجران مشركا واما جعدة فإنه تزوج ابنة خاله أم الحسن بنت علي وولدت له عبد الله بن جعدة بن هبيرة الذي قيل فيه بخراسان:
لولا ابن جعدة لم يفتح هنبركم * ولا خراسان حتى ينفخ الصور (قال) مصعب واستعمل علي على خراسان جعدة بن هبيرة المخزومي وانصرف إلى العراق ثم حج وتوفي بالمدينة وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حديثا بصحة ما ذكر مصعب اه. ثم روى بسنده عن جعدة بن هبيرة قلت لعلي يا خال قتلت عثمان قال لا والله ما قتلته ولا أمرت به ولكني غلبت اه. وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج كان جعدة فارسا شجاعا فقيها ولي خراسان لأمير المؤمنين علي عليه السلام وهو من الصحابة الذين أدركوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفتح مع أمه أم هانئ بنت أبي طالب وهرب هبيرة بن أبي وهب ذلك اليوم هو و عبد الله بن الزبعري إلى نجران وأقام هبيرة بن أبي وهب بنجران حتى مات بها كافرا اه.
اخباره لما دخل علي عليه السلام الكوفة بعد رجوعه من حرب الجمل نزل على جعدة بن هبيرة، وفي بعض خطب نهج البلاغة: خطبنا علي عليه السلام وهو قائم على حجارة نصبها جعدة بن هبيرة المخزومي وقال ابن الأثير في حوادث سنة 37 في هذه السنة بعث علي جعدة بن هبيرة المخزومي إلى خراسان بعد عوده من صفين فانتهى إلى نيسابور وقد كفروا وامتنعوا فرجع إلى علي فبعث خليد بن قره اليربوعي فحاصر أهلها حتى صالحوه وصالحه أهل مروا اه. وقال أيضا انه لما ضرب ابن ملجم أمير المؤمنين عليه السلام تأخر علي وقدم جعدة بن هبيرة وهو ابن أخته أم هانئ يصلي بالناس الغداة. وفي مجالس المؤمنين ان عليا عليه السلام في أول خلافته ولاه امارة خراسان وأمره بفتح ما بقي منها اه. وقال ابن أبي الجديد في شرح النهج عند شرح الخطبة التي يقول فيها أمير المؤمنين عليه السلام الا وان اللسان بضعة من الانسان فلا يسعده القول إذا امتنع ولا يمهله النطق إذا اتسع وانا لأمراء الكلام وفينا تنشبت عروقه وعلينا تهدلت غصونه، قال اعلم أن هذا الكلام قاله أمير المؤمنين عليه السلام في واقعة اقتضت ان يقوله وذلك أنه امر ابن أخته جعدة بن هبيرة المخزومي ان يخطب الناس يوما فصعد المنبر فحصر ولم يستطع الكلام فقام أمير المؤمنين عليه السلام فتسنم ذروة المنبر وخطب خطبة طويلة منها هذه الكلمات اه. وروى نصر بن مزاحم في كتاب صفين قال حدثنا عمر بن سعد عن الأجلح بن عبد الله الكندي عن أبي جحيفة قال: جمع معاوية كل قرشي بالشام يوم صفين ثم ذكر انه عاتبهم وانبهم على عدم مبارزة أقرانهم من قريش فقال عتبة بن أبي سفيان اني لاق بالغداة جعدة بن هبيرة قال معاوية بخ بخ قومه بنو مخزوم وأمه أم هانئ بنت أبي طالب وأبوه هبيرة بن أبي وهب كفؤ كريم - إلى أن قال - وبعث معاوية إلى عتبة فقال ما أنت صانع في جعدة قال ألقاه اليوم وأقاتله غدا فغدا عليه عتبة فنادى: ايا جعدة فاستأذن عليا عليه السلام في الخروج فأذن له واجتمع الناس لكلامهما فقال عتبة يا جعدة انه والله ما أخرجك علينا الا حب خالك وعمك ابن أبي سلمة عامل البحرين وانا والله ما نزعم ان معاوية أحق بالخلافة من علي لولا امره في عثمان ولكن معاوية أحق بالشام لرضا أهلها به فاعفوا عنها فوالله ما بالشام رجل به طرف الا وهو أجد من معاوية في القتال وما بالعراق من له مثل جد علي في الحرب ونحن أطوع لصاحبنا منكم لصاحبكم وما أقبح بعلي ان يكون في قلوب المسلمين أولى الناس بالناس حتى إذا أصاب سلطانا افنى العرب. فقال جعدة اما حبي لخالي فوالله لو كان لك خال مثله لنسيت أباك واما ابن أبي سلمة فلم يصب أعظم من قدره والجهاد أحب إلي من العمل واما فضل علي على معاوية فهذا ما لا يختلف فيه، واما رضاكم اليوم بالشام فقد رضيتم بها أمس فلم يقبل واما قولك انه ليس بالشام رجل الا وهو أجد من معاوية وليس بالعراق لرجل مثل جد علي فهكذا ينبغي ان يكون مضى بعلي يقينه وقصر بمعاوية شكه وقصد أهل الحق خير من جهد أهل الباطل واما قولك نحن أطوع لمعاوية منكم لعلي فوالله ما نسأله ان سكت ولا نرد عليه ان قال واما قتل العرب فان الله كتب القتل والقتال فمن قتله الحق فإلى الله.
فغضب عتبة وفحش على جعدة فلم يجبه واعرض عنه وانصرفا جميعا مغضبين. فجمع عتبة خيله فلم يستبق منها وجل أصحابه السكون والأزد والصدف وتهيأ جعدة بما استطاع فالتقيا وصبر القوم جميعا وباشر جعدة يومئذ القتال بنفسه وجزع عتبة فاسلم خيله وأسرع هاربا إلى معاوية فقال له فضحك جعدة وهزمك لا تغسل رأسك منها ابدا قال عتبة لا والله لا أعود إلى مثلها ابدا ولقد أعذرت وما كان على أصحابي من عتب ولكن الله أبى ان يديلنا منهم فما اصنع فحظي بها جعدة عند علي فقال النجاشي فيما كان من شتم عتبة لجعدة:
ان شتم الكريم يا عتب خطب * فأعلمنه من الخطوب عظيم أمه أم هانئ وأبوه * من معد ومن لؤي صميم ذاك منها هبيرة بن أبي وهب * أقرت بفضله مخزوم كان في حربكم يعد بألف * حين تلقى بها القروم القروم وابنه جعدة الخليفة منه * هكذا تنبت الفروع الاروم كل شئ تريده فهو فيه * حسب ثاقب ودين قويم وخطيب إذا تمغرت الأوجه * يشجى به الألد الخصيم وحليم إذا الحبى حلها الجهل وخفت * من الرجال الحلوم وشكيم الحروب قد علم الناس * إذا حل في الحروب الشكيم وصحيح الأديم من نغل العيب * إذا كان لا يصح الأديم حامل للعظيم في طلب الحمد * إذا أعظم الصغير اللئم ما أعسى ان تقول للذهب الأحمر * عيبا هيهات منك النجوم كل هذا بحمد ربك فيه * وسوى ذاك كان وهو فطيم