على الناس قام صبره بن شيمان فقال: سمعنا وأطعنا ونحن لمن حارب أمير المؤمنين حرب ولمن سالم سلم، ان كفيت يا جارية قومك بقومك فذاك، وان أحببت ان ننصرك نصرناك، وقام وجوه الناس فتكلموا بمثل ذلك ونحوه، فلم يأذن لاحد منهم ان يسير معه. ومضى نحو بني تميم فقام زياد في الأزد، فمدحهم وشكرهم وحرضهم، ثم قال في أثناء كلامه: وقد قدم عليكم جارية بن قدامة وانما ارسله علي ليصدع امر قومه، والله ما هو بالأمير المطاع، ولو أدرك أمله في قومه لرجع إلى أمير المؤمنين ولكان لي تبعا قال إبراهيم: فاما جارية فإنه كلم قومه فلم يجيبوه وخرج اليه منهم أوباش فناوشوه بعد ان شتموه واسمعوه، فأرسل إلى زياد والأزد يستصرخهم ويأمرهم ان يسيروا اليه، فسارت الأزد بزياد. وقال ابن الأثير: وسار جارية إلى قومه وقرأ عليهم كتاب علي وواعدهم فأجابه أكثرهم، فسار إلى ابن الحضرمي وعلى خيله عبد الله بن حازم السلمي، فاقتتلوا ساعة، واقبل شريك بن الأعور الحارثي - وكان من شيعة علي عليه السلام وصديقا لجارية بن قدامة - فقال: الا أقاتل معك عدوك؟ فقال: بلى! فما لبثوا بني تميم ان هزموهم واضطروهم إلى دار سنبيل السعدي. وقال ابن الأثير:
فانهزم ابن الحضرمي فتحصن بقصر سنبيل (سنيبل) ومعه ابن حازم (خازم) وكان قصر سنبيل لفارس قديما وصار لسنبيل السعدي وحوله خندق اه. قال إبراهيم: فحصروا ابن الحضرمي وحدود مائتي رجل من بني تميم ومعهم عبد الله بن حازم السلمي، فجاءت أمه - وهي سوداء حبشية اسمها عجلى - فنادته فأشرف عليها، فقالت: يا بني انزل إلي!
فأبى، فكشفت رأسها وأبدت قناعها وسألته النزول فأبى، فقالت: والله لتنزلن أو لأتعرين، وأهوت بيدها إلى ساقها، فلما رأى ذلك نزل، فذهبت به، وأحاط جارية وزياد بالدار وقال جارية. علي بالنار فقالت الأزد: لسنا من الحريق بالنار في شئ وهم قومك وأنت اعلم، فحرق جارية الدار عليهم، فهلك ابن الحضرمي في سبعين رجلا أحدهم عبد الرحمن بن عمير بن عثمان القرشي ثم التميمي، وسمي جارية منذ ذلك اليوم محرقا. وكتب زياد إلى أمير المؤمنين عليه السلام: اما بعد فان جارية بن قدامة العبد الصالح قدم من عندك فناهض جمع ابن الحضرمي بمن نصره واعانه من الأزد، ففضه واضطره إلى دار من دور البصرة في عدد كثير من أصحابه فلم يخرج حتى حكم الله تعالى بينهما، فقتل ابن الحضرمي وأصحابه منهم من احرق بالنار، ومنهم من القي عليه جدار، ومنهم من هدم عليه البيت من أعلاه، ومنهم من قتل بالسيف. وسلم منهم نفر أنابوا ونابوا فصفح عنهم. وبعد المن عصى وغوى، والسلام على أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فلما وصل كتاب زياد قرأه علي عليه السلام على الناس، وكان زياد قد أنفذه مع ظبيان بن عمارة فسر علي عليه السلام بذلك وسر أصحابه واثنى على جارية وعلى زياد وعلى أزد البصرة اه وقال ابن الأثير في حوادث سنة 38 انه لما خرج الأشهب بن بشر وقيل الأشعث وهو من بجيلة في مائة وثمانين رجلا بعد وقعة النهروان وجه إليهم علي جارية بن قدامة السعدي وقيل حجر بن عدي فاقتتلوا بجرجرايا من ارض جوخى فقتل الأشهب وأصحابه في جمادي الآخرة سنة 38 ثم خرج أبو مريم السعدي التميمي فاتى شهرزور وأكثر من معه من الموالي وقيل لم يكن معه من العرب غير ستة هو أحدهم واجتمع معه مائة رجل وقيل أربعمائة وعاد حتى نزل على خمسة فراسخ من الكوفة فأرسل اليه علي يدعوه إلى بيعته ودخول الكوفة فلم يفعل وقال ليس بيننا غير الحرب فبعث اليه علي شريح بن هاني في سبعمائة فحمل عليهم الخوارج فانكشفوا وبقي شريح في مائتين فانحاز إلى قرية وتراجع اليه بعض أصحابه ودخل الباقون الكوفة فخرج علي بنفسه وقدم بين يديه جارية بن قدامة السعدي فدعاهم جارية إلى طاعة علي وحذرهم القتل فلم يجيبوا ولحقهم علي أيضا فدعاهم فأبوا عليه فقتلهم أصحاب علي ولم يسلم منهم غير خمسين رجلا استأمنوا فأمنهم وكان في الخوارج أربعون رجلا جرحى فأمر علي بادخالهم الكوفة ومداواتهم اه. وجارية هو الذي أشار على أمير المؤمنين علي عليه السلام بتولية زياد ابن أبيه بلاد فارس حين اضطربت عليه ذكره ابن الأثير في حوادث سنة 39 وقال قيل أشار به ابن عباس اه. وذكر ابن الأثير في حوادث سنة 40 ان معاوية بعث بسر بن أبي أرطأة إلى الحجاز واليمن في ثلاثة آلاف فاتى المدينة وتهدد أهلها وهدم بها دورا واتى مكة فأكره أهلها على البيعة واتى اليمن فقتل بها خليفة عبيد الله بن العباس وابنه وقتل طفلين صغيرين لعبيد الله وقتل في مسيره ذلك جماعة من شيعة علي باليمن وبلغ عليا بالخبر فأرسل جارية بن قدامة السعدي في الفين ووهب بن مسعود في الفين فسار جارية حتى اتى نجران فقتل بها ناسا من شيعة عثمان - والصحيح: ان الذي قتلهم كانوا قد ارتدوا، كما يأتي - وهرب بسر وأصحابه، واتبعه جارية حتى اتى مكة، فقال: بايعوا أمير المؤمنين، فقالوا قد هلك فلمن نبايع؟ قال لمن بايع له أصحاب علي، فبايعوا الحسن خوفا منه وسار حتى اتى المدينة وأبو هريرة يصلي بالناس فهرب منه فقال جارية لو وجدت أبا سنبور لقتلته ثم قال لأهل المدينة بايعوا الحسن بن علي فبايعوه واقام يومه ثم عاد إلى الكوفة ورجع أبو هريرة يصلي بهم وقيل إن مسير بسر إلى الحجاز كان سنة 42 اه وأبو هريرة كان قد استخلفه بسر على المدينة لما خرج منها إلى اليمن. واخر الحديث يدل على أن ذلك كان بعد مقتل أمير المؤمنين علي عليه السلام وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد قال الكلبي وأبو مخنف فندب علي عليه السلام أصحابه لبعث سرية في اثر بسر فتثاقلوا واجابه جارية بن قدامة السعدي فبعثه في الفين فشخص إلى البصرة ثم اخذ طريق الحجاز حتى قدم اليمن وسال عن بسر فقيل اخذ في بلاد بني تميم فقال اخذ في ديار قوم يمنعون أنفسهم وبلغ بسرا مسير جارية فانحدر إلى اليمامة واخذ جارية بن قدامة السير ما يلتفت إلى مدينة مر بها ولا أهل حصن ولا يعرج علي شئ الا ان يرمل بعض أصحابه من الزاد فيأمر أصحابه بمواساته أو يسقط بعير رجل أو تحفى دابته فيأمر أصحابه بان يعقبوه حتى انتهوا إلى ارض اليمن فهرب شيعة عثمان حتى لحقوا بالجبال واتبعهم شيعة علي وتداعت عليهم من كل جانب وأصابوا منهم وصمد جارية نحو بسر وبسر بين يديه يفر من جهة إلى جهة أخرى حتى اخرجه من أعمال علي عليه السلام كلها فلما فعل به ذلك أقام جارية بحرس نحوا من شهر حتى استراح وأراح أصحابه ووثب الناس ببسر في طريقه لما انصرف من بين يدي جارية لسوء سيرته وفظاظته وظلمه وغشمه اه. ومما مر يعلم أن جارية بن قدامة كان من المخلصين في ولاء علي عليه السلام وكان من أعاظم الرجال المعدودين، وان عليا عليه السلام كان يعده لكل مهم، فهو الذي أبلى معه في حروب الجمل وصفين والنهروان، وبعثه علي عليه السلام إلى الخوارج بعد وقعة النهروان وهو الذي أطفأ فتنة ابن الحضرمي بعدما استعرت نارها في البصرة وكادت تفسد أهلها على أمير المؤمنين عليه السلام، فحاصر ابن الحضرمي وأصحابه حتى قتلهم حرقا بالنار، وهو الذي لحق بسرا إلى اليمن فهرب منه واتبعه حتى اخرجه من اعمال علي عليه السلام كلها بعد ما هرب منه عبيد الله بن العباس واتى الكوفة وتحمل بذلك العار والشنار وبئس العمل الفرار، ولم يكن مع بسر الا ثلاثة آلاف، وعبيد الله معه أهل اليمن