وغير أبي وذاك قليل) انها في رثاء محمد بن حميد وأخيه. مع أن الرائية في رثاء محمد وحده واللامية المرفوعة في رثاء بني حميد الثلاثة محمد ومحمد وقحطبة كما وقع التصريح بذلك فيها فينبغي أن يكون عنوان الرائية للامية وعنوان العينية المنصوبة لها وللرائية ثم إن عنوان اللامية لاثنين والصواب ان يكون للثلاثة وقد ظهر لنا من مراجعة هذه القصائد التي رثى بها أبو تمام بني قحطبة وعناوينها انهم ثلاثة اثنان منهم اسمهما محمد ويكنى أحدهما أبا نصر وهو الأصغر الذي كان من قواد المأمون وقتل في حرب بابك والثاني وهو الأكبر مات بعده والثالث اسمه قحطبة مات بعد أبي نصر أيضا ويدل بيت لأبي تمام انه قتل في الحرب وهو قوله (لو لم يمت بين أطراف الرماح) الخ فقد صرح باسم محمد في الرائية في موضعين وقد صرح في العينية المنصوبة باسم أبي نصر وفي عنوانها بان اسمه محمد وقد صرح في اللامية المرفوعة باسم محمد وان كنيته أبا نصر وباسم قحطبة وبمحمد ومحمد وصرح في اللامية المخفوضة باسم أبي نصر ومحمد وقحطبة ودل الوصف بالطائي تارة وبالطوسي أخرى على أنهم طائيون وطوسيون فكأنهم من العرب الذين توطنوا بلاد العجم فنسبوا إليها فمن مراثي أبي تمام فيهم ما رثى به محمد بن حميد الطائي الطوسي المكنى بأبي نصر وهي من أحسن مراثي أبي تمام وابدعها وكأنما كان لعاطفة القرابة تأثير في حسن هذه القصيدة زيادة على شاعرية أبي تمام. وكان محمد هذا من قواد المأمون فوجهه المأمون لمحاربة بابك الخرمي فقتل سنة 214 قال البديعي في هبة الأيام وحين بلغ أبا تمام نعيه غمس طرف ردائه في مداد ثم ضرب به كتفيه وصدره وأنشد القصيدة الآتية ولشدة استحسان أبي دلف العجلي لهذه القصيدة تمنى أن تكون قيلت في رثائه كما مر في أخباره مع أبي دلف ولشدة استحسان النقيب يحيى بن زيد العلوي لها قال في ابيات منها كأنها ما قيلت إلا في الحسين عليه السلام وفي قوله (فتى مات بين الطعن والضرب) إلى قولة (تردى ثياب الموت) وقال البديعي أيضا وإلى ذلك أشار ابن الرنجي الكاتب المغربي من مرثيته في ابن خلدون:
لولا الحياء وأن أجئ بفعلة * تقضي علي بها سيوف ملام وأكون متبعا لأشنع سنة * قد سنها قبلي أبو تمام للبست ثوب الثاكلات وكنت * في سود الوجوه كأنني من حام وهذه هي القصيدة وكلها غرر.
كذا فليجل الخطب وليفدح الامر * وليس لعين لم يفض ماؤها عذر توفيت الآمال بعد محمد * وأصبح في شغل عن السفر السفر وما كان الآمال من قل ماله * وذخرا لمن أمسى وليس له ذخر وما كان يدري مجتدي جود كفه * إذا ما استهلت انه خلق العسر ألا في سبيل الله من عطلت له * فجاج سبيل الله وانثغر الثغر فتى كلما فاضت عيون قبيلة * دما ضحكت عنه الأحاديث والذكر فتى دهره سطران فيما ينوبه * ففي بأسه شطر وفي جوده شطر فتى مات بين الطعن والضرب ميتة * تقوم مقام النصر إن فاته النصر وما مات حتى مات مضرب سيفه * من الضرب واعتلت عليه القنا السمر وقد كان فوت الموت سهلا فرده * اليه الحفاظ المر والخلق الوغر ونفس تعاف العار حتى كأنما * هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر فأثبت في مستنقع الموت رجله * وقال لها من تحت أخمصك الحشر غدا غدوة والحمد نسج ردائه * فلم ينصرف إلا وأكفانه الاجر تردى ثياب الموت حمرا فما دجا * لها الليل إلا وهي من سندس خضر كأن بني نبهان يوم وفاته * نجوم سماء خر من بينها البدر يعزون عن ثاو تعزى به العلى * ويبكي عليه البأس والجود والشعر أمن بعد طي الحادثات محمدا * يكون لأثواب الندى أبدا نشر إذا شجرات العرف جذت أصولها * ففي أي فرع يوجد الورق النضر لئن غدرت في الروع أيامه به * فما زالت الأيام شيمتها الغدر لئن البست فيه المصيبة طئ * فما عريت منها تميم ولا بكر سقى الغيث غيثا وارت الأرض شخصه * وان لم يكن فيه سحاب ولا قطر وكيف احتمالي للغيوث صنيعة * باسقائها قبرا وفي لحده البحر مضى طاهر الأثواب لم تبق روضة * غداة ثوى الا اشتهت انها قبر ثوى في الثرى من كان يحيا به الثرى * ويغمر صرف الدهر نائله الغمر عليك سلام الله وقفا فإنني * رأيت الكريم الحر ليس له عمر وقال يرثي أبا نصر محمد بن حميد الطائي أيضا من أبيات:
أصم بك الناعي وان كان اسمعا * وأصبح مغنى الجود بعدك بلقعا للحد أبي نصر تحية مزنة * إذا هي حيث ممعرا عاد ممرعا ووالله لا تقضي العيون الذي له * عليها ولو صارت مع الدمع أدمعا فتى كان شربا للعفاة ومرتعا * فأصبح للهندية البيض مرتعا فما كنت الا السيف لاقى ضريبة * فقطعها ثم انثنى فتقطعا وقال يرثي محمدا أبا نصر واخاه محمدا وأخاهما قحطبة بني حميد من قصيدة وفي الديوان قال يرثي محمد بن حميد وأخاه:
بأبي وغير أبي وذاك قليل * ثاو عليه ثرى النباج مهيل كفي فقتل محمد لي شاهد * ان العزيز مع القضاء ذليل أنسي أبا نصر نسيت إذا يدي * في حيث ينتصر الفتى وينيل هيهات لا يأتي الزمان بمثله * ان الزمان بمثله لبخيل ما أنت بالمقتول صبرا إنما * أملي غداة نعيك المقتول للسيف بعدك حرقة وعويل * وعليك للمجد التليد غليل يا يوم قحطبة لقد أبقيت لي * حرقا أرى أيامها ستطول لم يود منه واحد لكنما * أودى به من أسودان قييل أضحت عراص محمد ومحمد * وأخيهما وكأنهن طلول مستبسلون كأنما مهجاتهم * ليست لهم الا غداة تسيل ألفوا المنايا فالقتيل لديهم * من لم يخل الحرب وهو قتيل وقال من ابيات رثى بها أبا نصر وأخويه محمدا وقحطبة بني حميد الطائي وقد مات الاخوان محمد وهو الأكبر وقحطبة بعد أبي نصر.
ذكرت أبا نصر بفقد محمد * وقحطبة ذكرى طويل البلابل ثووا في الثرى من بعد أن سربلوا العلى * ومن بعد أن سموا نجوم المحافل لعمرك ما كانوا ثلاثة اخوة * ولكنهم كانوا ثلاث قبائل وقال يرثي بني حميد الطائيين:
أي القلوب عليكم ليس ينصدع * وأي نوم عليكم ليس يمتنع بني حميد بنفسي أعظم لكم * مهجورة ودماء منكم دفع ما غاب عنكم من الاقدام أكرمه * في الروع إذ غابت الأنصار والشيع إذا هم شهدوا الهيجاء هاج بهم * تغطرف في وجوه الموت يطلع وانفس تسع الأرض الفضاء فلا * يرضون أو يجشموها فوق ما تسع يود أعداؤهم لو أنهم قتلوا * وانهم صنعوا بعض الذي صنعوا