بنى سامان وراء النهر وبنى سبكتكين بعدهم وبنى طولون بمصر وبين طغج وما كان بعد الدولة السلجوقية من دولتهم مثل بنى خوارزم شاه بما وراء النهر وبنى طغرلتكين بدمشق وبنى ارتق بماردين وبنى زنكى بالموصل والشام وغير ذلك من دولهم التي قصصناها عليك في تصانيف الكتاب حتى إذا استغرقت الدولة في الحضارة والترف ولبست أثواب البلاء والعجز ورميت الدولة بكفرة التتر الذين أزالوا كرسي الخلافة وطمسوا رونق البلاد وأدالوا بالكفر من الايمان بما أخذ أهلها عند الاستغراق في التنعم والتشاغل في اللذات والاسترسال في الترف من تكاسل الهمم والقعود عن المناصرة والانسلاخ من جلدة البأس وشعار الرجولية فكان من لطف الله سبحانه ان تدارك الايمان باحياء رمقه وتلافي شمل المسلمين بالديار المصرية بحفظ نظامه وحماية سياجه بأن بعث لهم من هذه الطائفة التركية وقبائلها العزيزة المتوافرة أمراء حامية وأنصارا متوافية يجلبون من دار الحرب إلى دار الاسلام في مقادة الرق الذي كمن اللطف في طيه وتعرفوا العز والخير في مغبته وتعرضوا للعناية الربانية بتلافيه يدخلون في الدين بعزائم ايمانية وأخلاق بدوية لم يدنسها لؤم الطباع ولا خالطتها أقذار اللذات ولا دنستها عوائد الحضارة ولا كسر من سورتها غزارة الترف ثم يخرج بهم التجار إلى مصر إرسالا كالقطا نحو الموارد فيستعرضهم أهل الملك منهم ويتنافسون في أثمانهم بما يخرج عن القيمة لا لقصد الاستعباد انما هو اكثاف للعصبية وتغليظ للشوكة ونزوع إلى العصبية الحامية يصطفون من كل منهم بما يؤنسونه من شيم قومهم وعشائرهم ثم ينزلونهم في غرف الملك ويأخذونهم بالمخالصة ومعاهدة التربية ومدارسة القرآن وممارسة التعليم حتى يشتدوا في ذلك ثم يعرضونهم على الرمي والثقافة وركض الخيل في الميادين والمطاعنة بالرماح والمماصعة بالسيوف حتى تشتد منهم السواعد وتستحكم الملكات ويستيقنوا منهم المدافعة عنهم والاستماتة دونهم فإذا بلغوا إلى هذا الحد ضاعفوا أرزاقهم ووفروا من اقطاهم وفرضوا عليهم استجادة السلاح وارتباط الخيول والاستكثار من أجناسهم لمثل هذا القصد وربما عمروا بهم خطط الملك ودرجوهم في مراتب الدولة فيسترشح من يسترشح منهم لاقتعاد كرسي السلطان والقيام بأمور المسلمين عناية من الله تعالى سابقة ولطائف في خلقه سارية فلا يزال نشو منهم يردف نشوا وجيل يعقب جيلا والإسلام يبتهج بما يحصل به من الغناء والدولة ترف أغصانها من نضرة الشباب وكان صلاح الدين يوسف بن أيوب ملك مصر والشام وأخوه العادل أبو بكر من بعده ثم بنوهم من بعدهم قد تناغوا في ذلك بما فوق الغاية واختص الصالح نجم الدين أيوب آخر ملوكهم بالمبالغة في ذلك
(٣٧١)