____________________
(1) أي: ثالث الوجوه التي استدل بها على التعدي عن المرجحات المنصوصة إلى غيرها، وهو ما أشار إليه المصنف بقوله: (ولما في التعليل بأن الرشد في خلافهم).
توضيح رد المصنف له: أنه يحتمل في التعليل بكون الرشد في خلافهم عدة وجوه:
أحدها: أن تكون مخالفتهم معنى اسميا، بأن يقال: إن نفس المخالفة - لكونها إرغاما لانفهم - مطلوبة مع الغض عن غلبة إيصالها إلى الواقع، فهو نظير الامر الوارد بمخالفة اليهود والنصارى من مثل (ان اليهود والنصارى لا يصبغون) في الدلالة على أن مخالفتهم أمر مرغوب فيه في نفسه. ومن المعلوم أنه على هذا الوجه لا يصح الاستدلال المزبور، لعدم لحاظ كشف المخالفة حينئذ عن مطابقة الخبر المخالف لهم للواقع، بل في نفس مخالفتهم مصلحة أقوى من مصلحة الواقع، فلو كان قولهم مطابقا للواقع كانت مصلحة مخالفتهم مقدمة على مصلحة الواقع.
ثانيها: أنه بعد تسليم كون مخالفتهم أمارة غالبية على أن الحق في خلافهم كما في المرفوعة - وعدم دلالة التعليل على مطلوبية نفس مخالفتهم من جهة ظهور هذا التعبير في الطريقية لا النفسية - لا يصلح التعليل للاستدلال المزبور أيضا، لان هذه المخالفة توجب الاطمئنان بوجود خلل في الخبر الموافق لهم، إما في صدوره، وإما في جهته. ولا مانع من التعدي إلى مثل المخالفة من كل مزية توجب الاطمئنان بوجود خلل في الخبر الفاقد لتلك المزية، لا إلى كل مرجح ولو لم يوجب إلا الأقربية إلى الواقع من الخبر المعارض له، فتكون مخالفة العامة حينئذ كشهرة الرواية بين الرواة من مميزات الحجة عن اللا حجة، لا من مرجحات إحدى الحجتين على الأخرى التي هي محل البحث.
ثالثها: أنه بناء على كون التعليل (بأن الرشد في خلافهم) ناظرا إلى صدور الخبر الموافق للعامة تقية، فمع الوثوق بصدور الخبرين معا يحصل الاطمئنان لا محالة بصدور الخبر الموافق تقية، وبهذا الوثوق يخرج عن موضوع دليل الحجية، فتكون مخالفة العامة - على هذا الفرض - من مميزات الحجة عن اللا حجة، فلا يصح الاستدلال بالتعليل المزبور على التعدي عن المرجحات المنصوصة إلى غيرها مما يوجب الأقربية إلى الواقع، لان الكلام في ترجيح أحد الخبرين المتعارضين مترتب على اجتماع شرائط الحجية من
توضيح رد المصنف له: أنه يحتمل في التعليل بكون الرشد في خلافهم عدة وجوه:
أحدها: أن تكون مخالفتهم معنى اسميا، بأن يقال: إن نفس المخالفة - لكونها إرغاما لانفهم - مطلوبة مع الغض عن غلبة إيصالها إلى الواقع، فهو نظير الامر الوارد بمخالفة اليهود والنصارى من مثل (ان اليهود والنصارى لا يصبغون) في الدلالة على أن مخالفتهم أمر مرغوب فيه في نفسه. ومن المعلوم أنه على هذا الوجه لا يصح الاستدلال المزبور، لعدم لحاظ كشف المخالفة حينئذ عن مطابقة الخبر المخالف لهم للواقع، بل في نفس مخالفتهم مصلحة أقوى من مصلحة الواقع، فلو كان قولهم مطابقا للواقع كانت مصلحة مخالفتهم مقدمة على مصلحة الواقع.
ثانيها: أنه بعد تسليم كون مخالفتهم أمارة غالبية على أن الحق في خلافهم كما في المرفوعة - وعدم دلالة التعليل على مطلوبية نفس مخالفتهم من جهة ظهور هذا التعبير في الطريقية لا النفسية - لا يصلح التعليل للاستدلال المزبور أيضا، لان هذه المخالفة توجب الاطمئنان بوجود خلل في الخبر الموافق لهم، إما في صدوره، وإما في جهته. ولا مانع من التعدي إلى مثل المخالفة من كل مزية توجب الاطمئنان بوجود خلل في الخبر الفاقد لتلك المزية، لا إلى كل مرجح ولو لم يوجب إلا الأقربية إلى الواقع من الخبر المعارض له، فتكون مخالفة العامة حينئذ كشهرة الرواية بين الرواة من مميزات الحجة عن اللا حجة، لا من مرجحات إحدى الحجتين على الأخرى التي هي محل البحث.
ثالثها: أنه بناء على كون التعليل (بأن الرشد في خلافهم) ناظرا إلى صدور الخبر الموافق للعامة تقية، فمع الوثوق بصدور الخبرين معا يحصل الاطمئنان لا محالة بصدور الخبر الموافق تقية، وبهذا الوثوق يخرج عن موضوع دليل الحجية، فتكون مخالفة العامة - على هذا الفرض - من مميزات الحجة عن اللا حجة، فلا يصح الاستدلال بالتعليل المزبور على التعدي عن المرجحات المنصوصة إلى غيرها مما يوجب الأقربية إلى الواقع، لان الكلام في ترجيح أحد الخبرين المتعارضين مترتب على اجتماع شرائط الحجية من