منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٥٨٠
أوثق البينتين على الأخرى، وتقديم ذي المزية في الخبرين المتعارضين إنما هو بالدليل الثانوي وهو الاخبار العلاجية.
وثالثا: أن هذا الوجه يرجع إلى الوجه الثالث الذي تقدم منعه صغرى وكبرى، لانحلاله إلى صغرى وهي كون فتوى الأعلم ذات مزية و رجحان، وكبرى وهي تقدم كل ذي مزية على فاقدها.
٦ - سيرة العقلاء على الرجوع إلى الأعلم الوجه السادس: بناء العقلاء على الرجوع إلى الأعلم عند مخالفة فتوى المفضول له، فإنه بعد البناء على عدم وجوب الاحتياط على العامي قد استقرت السيرة العقلائية على الرجوع إلى الأعلم، وعدم العمل بفتوى المفضول، كما هو كذلك في غير الأحكام الشرعية من العلوم والفنون، ولم يردع الشارع عن هذه السيرة مع كونها بمنظره ومرأى منه، وعدم الردع في مثل المقام دليل الامضاء.
وهذا الوجه أمتن الوجوه وأقواها، ثم الأصل الذي قد تقدم أن مقتضاه وجوب الاخذ بفتوى الأعلم تعيينا.
لا يقال: إن الأصل في دوران الامر بين الحجية التعيينية والتخييرية يقتضي التخييرية، قياسا على دوران الامر بينهما في الاحكام، كما إذا دار حكم صلاة الجمعة مثلا بين الوجوب التعييني والتخييري، فإنه يدفع احتمال وجوبها التعييني بأصالة البراءة، إذ المعلوم وجوب الجامع دون الخصوصية، لكونها مشكوكة. وكذا الحال في المقام، فإن المعلوم هو الحجية الجامعة بين التعيينية والتخييرية، إذ خصوصية إحداهما مشكوكة، فتجري فيها البراءة، ومقتضى جريانها هو التخيير بين الاخذ بفتوى الأفضل والفاضل.
فإنه يقال: إن الحجة تارة تكون منجزة للواقع بحيث لو لم تقم على الواقع كان المرجع في صورة الشك فيه الأصل النافي له كأصالتي البراءة والطهارة ونحوهما، كما إذا فرض قيام الدليل على حرمة شرب التتن، بحيث لو لم يقم هذا الدليل على حرمته كان المرجع في الشك فيه أصالة البراءة، وهذا الدليل القائم على الحرمة حجية منجزة، إذ لا منجز للواقع إلا هذا الدليل، فلو لم يكن في الواقع حرمة لم يكن هذا الدليل معذرا له، إذ لم يفت بهذا الدليل شئ من الواقع حتى يكون معذرا له.
وأخرى تكون معذرة، كما إذا تنجز الواقع قبل نهوض هذه الحجة عليه بعلم إجمالي كبير كعلمه