منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ١٠٨
الرواية الثانية: خبر الحارث بن المغيرة. أما السند فهو كسابقه مروي عن الاحتجاج مرسلا. وأما الدلالة فقد عرفت ظهورها في جعل التخيير بين المتعارضين - تكافئا أم تفاضلا - إلى زمان التمكن من لقاء الإمام الحجة صلوات الله وسلامه عليه وعجل فرجه الشريف.
لكن نوقش فيها تارة بأن موردها التمكن من لقاء الإمام القائم بالامر في كل عصر، وصورة ترقب لقائه عليه السلام كما في أيام الحضور، لا زمان الغيبة. والرخصة في التخيير في مدة قليلة لا تلازم الرخصة فيه أبدا. وأخرى بأنها (لا دلالة لها على حكم المتعارضين. ومفادها حجية اخبار الثقة إلى ظهور الحجة عليه السلام).
وكلاهما لا يخلو من غموض: أما الأول فلان كل واحد من الأئمة المعصومين عليهم السلام وإن كان قائما بالحق، بل أطلق على بعضهم في الاخبار، إلا أن الظاهر اختصاص لقب (القائم) - عند الاطلاق - بالامام الحجة المنتظر (عليه أفضل الصلاة والسلام)، لقب به من عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما ورد في كثير من الاخبار، فقد روي عنه صلى الله عليه وآله عند بيان الأئمة من ولد الحسين عليه السلام: (تاسعهم قائمهم) و (التاسع قائمهم) و (تاسعهم قائمهم قائم أمتي) و (تاسعهم قائمهم ومهديهم) ونحو هذا التعبير كما لا يخفى على من راجع مظانه.
وعليه فظاهر خبر الحارث جعل التوسعة والتخيير بين المتعارضين في عصر الغيبة. ولعل تحديد ذلك برؤيته عليه السلام لأجل طول غيبته زمانا وقصر مدى إمامة سائر الأئمة عليهم السلام.
ولو لم يكن مقصوده عليه السلام جعل التخيير كان الأنسب تحديد التوسعة برؤية كل واحد منهم، بأن يقال: (حتى تراني أو ترانا) كتحديد الامر بالوقوف في المقبولة بملاقاة الإمام عليه السلام فالاتيان باللقب المختص بالامام الحجة (عليه السلام وعجل فرجه الشريف، وتعليق السعة على رؤيته (عليه السلام) ظاهر في جعل التخيير في الأزمنة المتمادية قبل ظهوره عليه السلام، حيث يكون المدار في عصر الدولة المهدوية على الاحكام الواقعية بلا تقية لخوف أو مداراة، هذا.
مضافا إلى: أن الحكمة في جعل التوسعة - وهي الارفاق بالمكلفين و رفع الحرج عنهم مع كثرة الاخبار المتعارضة في أبواب الفقه - تقتضي جعلها في حق الشيعة في عصر الغيبة، لحرمانهم عن التشرف بمحضره عليه السلام بخلاف الشيعة المعاصرين لهم عليهم السلام لتمكنهم أحيانا من التشرف واستعلام الوظيفة منهم.
وعليه فجعل التخيير في حقهم يقتضي جعله في عصر الغيبة بالأولوية. هذا مع الغض عن ظهور