منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ١٧٤
عن بعض جمل الرواية. وأما ما يتعلق بترجيح أحد الخبرين فلا إعراض عنها، وقد تقرر في محله إمكان التفكيك في الحجية، وأن الرواية المشتملة على جمل أعرض الأصحاب عن بعضها ليست بأسواء حالا من العامين من وجه، لبنائهم على حجية كل منهما في مورد الافتراق، وعدم حجيتهما في مورد الاجتماع، مع أن البناء على صدور بعض مدلولي العامين من وجه دون بعض أشد محذورا من التفكيك بين فقرات رواية واحدة.
وقد أجاب المصنف (قده) في الحاشية عن الاشكالات المتقدمة في كلام الشيخ الأعظم بإخراج الترافع من باب المدعي والمنكر إلى صورة التداعي، فإنه كما يتجه به الرجوع إلى حاكمين - من جهة أن لكل منهما لكونه مدعيا تعيين الحاكم بنظره - كذلك تنحل به سائر الاشكالات. قال (قده): (أما التعدد فلعدم تراضيهما على واحد، بل المفروض رفع كل أمره إلى واحد. وأما غفلة الحكمين - مع أن لزومها ممنوع، لامكان اطلاع كل على قدح في سند - فمثلها غير عزيز. وأما تحريهما في سند الحكمين فلا يبعد كل البعد بعد عدم نفوذ أحد الحكمين من الحكمين على واحد منهما، لعدم تمكين واحد منهما الاخر في تعيين من اختاره من الحكمين. وأما حكم أحدهما بعد الاخر فلا ضير فيه أصلا، حيث لم يكن حكم الأول نافذا على من عليه، حيث لم يرض به، مع أنه يمكن هذا، لعدم الاطلاع على صدور الحكم من الاخر.
وأما تساقطهما فهو مطلقا ممنوع، والمسلم منه إنما هو صورة تساوي الحكمين. وأما غيره هذه الصورة فيمكن الاستناد إلى الرواية في جواز التحري والاجتهاد في حكم المسألة المتنازع في حكمهما بالرجوع إلى ملاحظة صفات الحكمين أو صفات ما استندا إليه من الروايتين.).
والوجوه المذكورة في كلامه وإن لم تخل من قوة، إلا أن تنزيل المقبولة على صورة التداعي - حتى يثبت لكل منهما حق تعيين الحاكم - تأويل فيها بلا موجب، فإنه - مضافا إلى ظهور (وكلاهما اختلفا في حديثكم) في كون الشبهة حكمية لا موضوعية، إذ ليس اختلاف الأحاديث المأثورة عنهم عليهم السلام موجبا للتشاجر في الشبهة الموضوعية، بل الاختلاف فيها مستند إلى تعارض البينات والامارات المعتمدة في تلك الشبهات - يكون إطلاق الامر بتقديم حكم الأفقه بقوله عليه السلام:
(الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما.) الناشئ من ترك الاستفصال عن حال القضية المتنازع فيها من كونها من باب المدعي والمنكر أو التداعي محكما، ولا وجه لحمله على صورة التداعي خاصة، مع بعده في نفسه في مثل الميراث وإن جرى في الدين، هذا.