منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٤٩٠
على قصد القربة، وهو يتوقف على العلم بكونها عبادة، فلو توقف العلم بكونها عبادة على وقوعها كان دورا).
والوجهان المزبوران أوجبا اقتراحه مبنى الالتزام، فإنه (قده) وإن عرفه بالأخذ، لكنه في حكم التقليد في أصول الدين قال: (ومعنى الاخذ بقوله هنا الالتزام به) ولعل هذا منشأ تفسير الماتن له بالأخذ في الفرعيات، وبالالتزام في الاعتقاديات.
إلا أن الظاهر إرادة صاحب الفصول معنى جامعا للاخذ وهو الالتزام سواء في الفروع والأصول، إذ لا يراد بالأخذ العمل، للزوم محذورين من جعل التقليد بمعنى العمل، فالمراد به هو القبول وذلك أمر نفساني.
وكيف كان ففي كلا الوجهين ما لا يخفى.
أما الأول فبما تقدم في توضيح المتن من أنه لا دليل على اعتبار تقدم التقليد على العمل حتى يقع عن تقليد.
وببيان آخر: ان التقليد - بناء على كونه العمل المستند إلى فتوى الفقيه كما سيأتي بيانه - يتوقف على الاستناد إلى فتوى المفتي، كتوقف صحة عمل المجتهد على الاستناد إلى رأيه، فتعلم الفتوى مما يتوقف عليه التقليد قطعا، إلا أن هذا العلم له دخل مقدمي في العلم بتحقق التقليد، لا في نفسه، إذ هو العمل المستند إلى رأي الغير، أو تطبيق العمل على رأيه، وحينئذ فلا موجب لانبعاث العمل عن عنوان التقليد، حتى يلزمه السبق، بل التقليد وصف مقارن للعمل ولون له.
والاستناد في لزوم تقدم التقليد زمانا على نفس العمل إلى تقابله مع الاجتهاد، لتقدم الاستنباط على العمل على طبقه، فليكن التقليد كذلك، فيه: (أنه لا تقابل بينهما تقابل العدم والملكة، ولا السلب والايجاب، فإن الاجتهاد تحصيل الحكم من مدركه، وليس عدمه المقابل له تقليدا، لان من لم يحصل الحكم من مدركه ليس مقلدا مع عدم العمل أو عدم الاخذ للعمل).
وكذا لا تقابل بينهما بتقابل التضاد (نظرا إلى أن الاجتهاد هو أخذ الحكم عن مدركه، والتقليد أخذ الحكم عن الغير لا عن مدركه. إذ فيه:
أن الاخذ بمعنى الالتزام والعمل - الذي هو مورد النزاع في التقليد - أجنبي عن حقيقة الاجتهاد، إذ ليس معنى الاجتهاد التزام المجتهد بالحكم ولا عمله به.
والاخذ بمعنى التعلم الراجع إلى تحصيل العلم بالحكم وإن كان مشتركا بين المجتهد والمقلد،