منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٥٧٣
عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث، فتحاكما. إلى أن قال: فان كان كل واحد اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما واختلفا فيما حكما، وكلاهما اختلفا في حديثكم، فقال: الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما و أصدقهما في الحديث وأورعهما، ولا يلتفت إلى ما حكم به الاخر).
تقريب الاستدلال بها: أنها دلت على وجوب تقديم الأفقه على غيره.
وقد أورد على الاستدلال بها بوجوه:
أحدها: ضعف سند الرواية بعمر بن حنظلة، لعدم ورود توثيق ولا جرح في حقه، فيكون مجهولا، فيشكل الاعتماد على روايته. لكن قد سبق في بحث الاخبار العلاجية الإشارة إلى مستند القوم في قبول روايته، والمعتمد من تلك الوجوه توصيفها بالمقبولة، فلاحظ ما ذكرناه هناك.
إلا أن الاشكال في دلالة المقبولة على المدعي وهو تقديم فتوى الأفضل على فتوى المفضول عند المعارضة كما سيأتي (إن شاء الله تعالى).
ثانيها: أن مورد الترجيح في المقبولة بالأفقهية وغيرها من الصفات هو الحكمان اللذان اختلفا في الحكم، ومن المعلوم توقف فصل الخصومة الذي لا بد منه على ترجيح أحد الحكمين على الاخر، إذ الحكم بالتخيير لا يقطع الخصومة، بل يوجب بقاءها واستمرارها.
بخلاف المقام، فإن التخيير بين الفتويين لا محذور فيه، فلا وجه للتعدي عن مورد الرواية - وهو الحكم - إلى ما نحن فيه من تعارض الفتويين، مع وضوح الفرق بينهما.
والحاصل: أن مورد الرواية هو القضاء، دون الفتوى، ولا ملازمة بينهما كما لا يخفى.
ثالثها: أن الأعلمية المرجحة للقاضي في باب القضاء غير الأعلمية المرجحة للمفتي في باب الفتوى، وذلك لان الأعلمية في باب القضاء إضافية، لكونها ملحوظة بالإضافة إلى حاكم آخر، لا إلى كل مجتهد، لا حقيقية. وفي باب الفتوى حقيقية لا إضافية، لان الأعلمية في باب الفتوى ملحوظة بالإضافة إلى جميع الفقهاء، فإذا كان فقيهان في بلد وكان أحدهما. أفقه من الاخر تعين ذلك الأفقه للقضاء وإن كان من في بلد آخر أفقه منه. بخلاف الفتوى، فإنه إذا كان من في بلد آخر أفقه تعين ذلك للمرجعية. ففرق واضح بين الأعلمية المعتبرة في باب القضاء وبين الأعلمية المعتبرة في باب الفتوى، فإنها في الأول إضافية، وفي الثاني حقيقية أي مطلقة.