منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٤٩٥
وهو لا يخلو من شئ بعد ما عرفت من موارد الاستعمالات لغة وعرفا ورواية من كونه بمعنى العمل، وليس متعلق الامر معنى آخر من التزام ونحوه.
ومنها: ما أفاده شيخنا الأعظم (قده) من أن التقليد بمعنى الاخذ للعمل أوفق بمفهومه اللغوي.
وقد عرفت أن التقليد بمعنى العمل أوفق بمعناه اللغوي من الاخذ للعمل.
ومنها: ما في بعض الحواشي من توجيه تفسيره بالالتزام بأن المقلد وهو العامي يجعل فتاوى مجتهده في عنق نفسه ويلتزم بها، ويصح حينئذ إطلاق التقليد عليه كما يصح في (قلدت السيف) فالمقلد - بالكسر وبالفتح - شخص واحد باعتبارين، والسيف ما به التقليد، و المقلد - بالفتح - هو العنق ومعناه (التزمت السيف أي جعلته لازما لي).
ويندفع هذا بما تقدم من جريان الاصطلاح على تسمية المجتهد مقلدا - بالفتح - وهذا يناسب العمل بفتواه حتى يحتمل مسؤوليتها، وقد اعتبروا فيه أمورا كالعدالة والرجولية ونحوهما، وهذا لا يلتئم مع التزام العامي بفتاوى المجتهد، ففرق بين تقليد السيف والدين، و حيث إنه يصح في الأول اتحاد المقلد بالفتح والكسر، بخلاف الثاني، لاعتبار التعدد فيه.
وفي ختام البحث لا بأس بالتنبيه على أمر، وهو: أن التقليد - كالايقاع - يتحقق بفعل العامي فقط من دون حاجة إلى قبول المجتهد، بل ومع عدم رضاه بذلك، فهو كالايتمام يتحقق ببناء المأموم ولو مع عدم رضى المؤتم به بذلك. والوجه في ذلك إطلاق أدلة رجوع الجاهل إلى العالم. وعليه فليس التقليد من باب البيعة المتقومة برضاء الطرفين.
ودعوى (توقف التقليد على قبول المجتهد، لان ثقل تكليف المقلد وتبعاته على ذمته، فله قبول هذا الثقل ورده، فيكون التقليد كالعقد في توقفه على إيجاب وقبول، فكأن المقلد - بالكسر - موجب، لأنه جاعل قلادة دينه على رقبة المجتهد، وهو يقبل هذا الجعل) غير مسموعة، إذ لم يثبت ثقل على المجتهد غير ما عليه من بذل الوسع والطاقة في استنباط الحكم، ومسؤوليته إنما هي من تقصيره في مقدمات الاستنباط، وإلا فبعد بذل الجهد واستقرار رأيه على أمر لا تتوجه إليه مسؤولية أخرى، سواء عمل العامي بفتواه أم لا، بل كثرة العمل بفتواه توجب مزيد الأجر والثواب كما في الروايات.