منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٢٩٨
لكنه غير ظاهر، فإن مقتضى القاعدة وإن كان تخصيص العام بكلا الخاصين اللذين يكون أحدهما أخص من الاخر ما لم يخرج عن الحد المتعارف، فيخصص العموم القاضي بعدم ضمان العارية بكل من الطوائف الثلاث الاخر، فتكون النتيجة عدم ضمان العارية إلا في الذهب والفضة سواء كانا مسكوكين أم مصوغين. إلا أن في أدلة العارية خصوصية يقع بها التعارض بين عموم دليل النفي وبين الخصوصات المستثنية للذهب والفضة والدرهم والدينار، وتلك الخصوصية اشتمال كل من أدلة التخصيص على عقدين إيجابي و سلبي، وقد عرفت معارضة العقد السلبي في روايتي الدرهم والدينار مع العقد الايجابي في رواية الذهب والفضة.
فما أفاده (قده) من تنظير أخبار الباب بمثل عموم (أكرم الرجال) المخصص بأمور بعضها أخص من بعض، فيخصص العام بجميعها في مرتبة واحدة لا يخلو من شئ، لوضوح الفرق بين المثال وأدلة العارية بأن تلك الخصوصات لكل منها عقد إيجابي فحسب، فتقتضي صناعة الجمع العرفي تحكيم الكل على العام ما لم ينته الامر إلى التخصيص المستهجن، ولكن الخصوصات في المقام متعارضة من جهة اشتمالها على العقد السلبي، ولا ريب في أن تقديم الخاص على عامه متفرع على حجيته الفعلية، فلا بد من علاج تعارض نفس الخصوصات أولا ثم تخصيص العام بالمقدار المعتبر منها.
نعم لو كان التخصيص بمثل (في عارية الدينار ضمان) كانت الروايات والمثال من باب واحد.
بل هنا جهة افتراق أخرى، وهي: أن كلا من الخصوصات قد صدر بنفس العام، لتكرر (لا تضمن العارية) وما بمضمونه في جميعها، فالمقام أشبه بالتخصيص بالمتصل من التخصيص بالمنفصل، مع أن محط الكلام في مسألة انقلاب النسبة ملاحظة الظهورات المستقلة بعضها عن بعض.
الثاني: ما أفاده بعض أعاظم العصر (مد ظله) من أن النسبة بين الخاصين - وهما: عقد الاثبات في ضمان عارية الذهب والفضة، و عقد السلب في روايتي ضمان النقدين - وإن كانت عموما من وجه على ما تقدم تقريبه، ومقتضى القاعدة تساقطهما في عارية الحلي المصوغة من الجنسين والرجوع إلى العام الفوق، إلا أن في المقام خصوصية تقتضي تقديم تخصيص عموم العقد السلبي في روايتي الدراهم والدنانير على تقييد إطلاق العقد الايجابي في خبر ضمان الجنسين، لان حمل ما يدل على ثبوت الضمان في عارية الذهب و الفضة على خصوص النقدين حمل للمطلق على الفرد