منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٥٦٥
أصالة البراءة. وكذا تجري البراءة في الشك في وجوبالصوم أو العتق، لكونه شكا في التكليف.
وأما عدم جريان البراءة في تعين أحد الواجبين المتزاحمين كإنقاذ الغريقين فيما إذا كان أحدهما عالما والاخر جاهلا، وشك في رجحان إنقاذ العالم، فإنما هو لعدم كون الشك في وجوبه التعييني حتى ينفي بالأصل، إذ المفروض وجوب إنقاذ كل منهما تعيينا كما هو مقتضى ملاك كل منهما، بل الشك في بقاء التخيير بين المتزاحمين مع فرض مرجح في أحدهما، فالعقل حينئذ لا يحكم بالتخيير، لإناطة هذا الحكم بتساويهما، ومع وجود مزية في أحدهما يرتفع التساوي، فلا يحكم العقل حينئذ بالتخيير.
وكذا الحال في دوران الامر بين المحذورين فيما إذا اقترن أحد الاحتمالين من الوجوب أو الحرمة بما يحتمل مرجحيته كالشهرة مثلا، فإن العقل لا يحكم حينئذ بالتخيير، لان الاخذ بالاحتمال الموهوم إطاعة احتمالية، وبالاحتمال المقرون بما يحتمل مرجحيته إطاعة ظنية، وهذا يقدم عقلا على الإطاعة الاحتمالية.
والحاصل: أن الشك في التعيينية في المزاحمين وفي دوران الامر بين المحذورين ليس شكا في الحكم الشرعي حتى تجري فيه البراءة، وفي تعين أحد أفراد الطبيعة المتعلقة للحكم كالرقبة يكون شكا في التكليف، فتجري فيه البراءة.
فقد ظهر من جميع ما ذكرنا: أن الشك في التعيينية في المقام - وهو الشك في تعين الاخذ بفتوى الأعلم - ليس من موارد أصالة البراءة، لعدم كون الشك في ثبوت التكليف، بل في سقوطه وامتثاله الذي هو مجرى قاعدة الاشتغال، فلا وجه لجعل ما نحن فيه من صغريات التعيين والتخيير التي تجري فيها البراءة.
ج - أصالة عدم مرجحية الأعلمية الثالث من وجوه تقرير الأصل هو: أنه لما كان مناط تقديم فتوى الأفضل على غيره مرجحية الأعلمية، ومن المعلوم أن المرجحية كالحجية توقيفية، ومع الشك فيها يجري الأصل في عدمها المقتضي للتخيير بين الفتويين، إذ المفروض حجية قول المفضول ذاتا، لشمول دليل حجية الفتوى لها كانت النتيجة حجية قول المفضول كالفاضل، هذا.