منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٤٥٦
أما الأول وهو إنشاء أحكام بعدد آراء المجتهدين بعد أدائها وهو أحد الوجهين بنظر المصنف في التصويب المعتزلي، فيكفي في بطلانه في نفسه مخالفته لمبناهم في التحسين والتقبيح العقليين، إذ مع الالتزام بكون الملاكات أمورا واقعية لا اعتبارية كيف يفرض القائل بهذا التصويب جعل أحكام متضادة لفعل واحد لمجرد اختلاف آراء المجتهدين؟ والمفروض فعلية كل واحد منها لأداء رأي المجتهد إليه، فمثل شرب الخمر مما فيه المفسدة الملزمة المقتضية لانشاء الحرمة كي ينزجر عنها المكلفون كيف ينشأ له الأحكام الخمسة ؟ وهل تتمشى الإرادة والكراهة الجديتان في المبادي العالية؟ وهل المفسدة الذاتية المعترف بها تصير اعتبارية حتى تتغير باختلاف الآراء؟ وعليه فأصل هذا النحو من التصويب لا يمكن الاذعان به بناء على مبنى العدلية حتى تصل النوبة إلى إبطاله بالاجماع و الأخبار المتواترة.
وهذا بخلاف الوجه الثالث، إذ المفروض أن الحكم المشترك بين العالم والجاهل إنشائي، لان قيام الامارة على الخلاف يزاحم الملاك الواقعي ويمنع فعليته، ولا مزاحم للمصلحة والمفسدة الواقعيتين المقتضيتين لانشاء الاحكام هذا مع الغض عن الاشكال المتقدم عن المحقق الأصفهاني.
وما أفاده المصنف في تقريره من كون الاحكام واقعية وظاهرية لا يخلو من شئ، لتعدد الحكمين رتبة ووجودا فكيف يكون كل منهما فعليا؟ وأما الثاني - وهو التصويب الأشعري - فقد عرفت استحالته، لبرهان الدور والخلف.
وللمحقق الأصفهاني (قده) إيراد آخر عليه بعد مناقشته في المحذورين المتقدمين، قال: (وأما بالإضافة إلى الملتفت إلى أنه لا حكم قبل العلم والظن ففيه محذور، فان من يعتقد أنه لا حكم له قبل اعتقاده به كيف يعقل منه اعتقاد الحكم؟ لأنه من اجتماع النقيضين، وجعل الحكم المبني عليه محال، لان المبني على المحال محال).
ومحصله: أن التصويب بمعنى تبعية جعل الحكم للاعتقاد محال، لترتبه على اجتماع النقيضين المستحيل، حيث إن هذا القائل إما لا يعتقد بالحكم لا علما ولا ظنا، وإما يعتقد بعدم الحكم قبل الاعتقاد، فعلى الأول لا موضوع للحكم - وهو الاعتقاد بالحكم - كما لا حكم أيضا تبعا له، ولا كلام على هذا الفرض.