منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٥٦٠
العقوبة، فإن الاحتياط محرز عملي للواقع، وفتوى الأعلم حجة عليه قطعا بعد البناء على جواز أصل التقليد، فإن فتوى الأعلم حينئذ معلومة الحجية إما تعيينا بناء على وجوب تقليد الأعلم، وإما تخييرا بناء على عدم وجوبه تعيينا، فأصالة التعيينية محكمة، ومقتضاها وجوب تقليد الأعلم، وعدم الاكتفاء في سقوط التكليف الإلزامي بالعمل بقول المفضول، لكونه إطاعة احتمالية لم ينهض على جواز الاكتفاء بها دليل.
وهذا الأصل - أي أصالة التعيينية - مرجع مطلقا أي سواء أكان الشاك في اعتبار قول المفضول نفس المجتهد أم العامي، لان مرجع الشك في الفراغ وبراءة الذمة هو قاعدة الاشتغال المقتضية للزوم العمل بفتوى الأفضل.
والاشكال في أصالة التعيينية تارة بما عن المحقق القمي (قده) في القوانين من قوله: (لا يقال إن الأصل حرمة العمل بالظن، خرج الأقوى بالاجماع، ولا دليل على العمل بالأضعف، لأنا نقول:
قد بينا سابقا أنه لا أصل لهذا الأصل، فلا نعيد. واشتغال الذمة أيضا لم يثبت إلا بالقدر المشترك المتحقق في ضمن الأدون، والأصل عدم لزوم الزيادة).
وأخرى: بمعارضة هذا الأصل بالاحتياط في المسألة الفرعية، كما إذا أفتى المفضول بما يوافق الاحتياط كوجوب جلسة الاستراحة على خلاف فتوى الأفضل بعدم وجوبها.
مندفع، إذ في الاشكال الأول: أن إنكار حرمة العمل بالظن إن كان لأجل عدم الدليل على حرمة العمل به، ففيه منع واضح، لدلالة الآيات و الروايات الناهية عن العمل بالظن بوضوح على ذلك، وإن كان لأجل الأصل الثانوي المستنتج من دليل الانسداد القاضي باعتبار الظن و جواز العمل به ففيه:
أن دليل الانسداد يجري في حق من تمت له مقدماته، وليس العامي ممن تمت له مقدمات الانسداد، فلا يجري في حقه، إذ من مقدماته انسداد باب العلمي أي الظن الخاص، وذلك غير منسد على العامي، لوجوب رجوع الجاهل إلى العالم، فلا إشكال في حرمة العمل بالظن إلا ما خرج، ومن المعلوم أن الخارج قطعا هو فتوى الأفضل. وخروج فتوى المفضول مشكوك فيه، فيبقى تحت أصالة حرمة العمل بالظن.
لا يقال: إن مقتضى إطلاق دليل التخصيص - وهو ما دل على جواز التقليد - خروج فتوى الفقيه مطلقا سواء أكان فاضلا أم مفضولا عن عموم حرمة العمل بالظن، ومقتضى هذا الاطلاق جواز العمل