منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ١٨٨
المرجحين أمر عليه السلام بالأخذ بما يخالف العامة.
الخامس: ورد في الاخبار العلاجية طائفة تتضمن الترجيح بالأحدثية، فإذا تعارض خبران قدم المتأخر منهما صدورا، ومن المعلوم أن هذه الطائفة معارضة لما تقدم من الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامة ثم التخيير عند تكافئهما، ضرورة أن النسبة بين رواية الترجيح بالأحدثية وتلك الروايات هي العموم من وجه، إذ الأحدثية ترجح الخبر المتأخر سواء كان موافقا للعامة أم مخالفا لهم، و مخالفة العامة أيضا ترجح الخبر المخالف لهم سواء أكان متقدما أم متأخرا، فإذا كان الخبر السابق مخالفا للعامة والحادث موافقا لهم فمقتضى الترجيح بالأحدثية هو الاخذ بالحادث، ومقتضى الترجيح بمخالفة العامة هو الاخذ بالسابق وعدم الاعتناء بالحادث. وعليه فاللازم علاج التعارض بعد بيان تلك الأخبار.
فمن هذه الطائفة خبر المعلى بن خنيس، قال: (قلت لأبي عبد الله عليه السلام إذا جاء حديث عن أولكم وحديث عن آخركم بأيهما نأخذ؟
فقال: خذوا به حتى يبلغكم عن الحي، فإن بلغكم عن الحي فخذوا بقوله. قال: ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: إنا والله لا ندخلكم إلا فيما يسعكم).
والظاهر من مورد السؤال صورة اختلاف الأحاديث وتعارضهما كما هو صريح مرسل الحسين بن المختار، وقد حكم عليه السلام بالأخذ بالخبر المتأخر صدورا، وعلل ذلك ب (أنا لا ندخلكم إلا فيما يسعكم).
ومنها: موثق محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام: (قال: قلت له: ما بال أقوام يروون عن فلان وفلان عن رسول الله صلى الله عليه وآله لا يتهمون بالكذب، فيجئ منكم خلافه؟ قال: إن الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن). ودلالة قوله عليه السلام: (إن الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن) على لزوم الاخذ بالأحدث وترك الحديث المتقدم صدورا واضحة، خصوصا مع التعليل بجريان النسخ في الأحاديث كما في آيات الذكر الحكيم. وظاهر سؤال محمد بن مسلم:
(لا يتهمون بالكذب) عدم القطع بصدور الخبرين عن رسول الله صلى الله عليه وآله، إذ الخبر القطعي لا يحتمل فيه الكذب حتى يتهم راويه به، فالموثقة تدل على تعين الاخذ بالأحدث عند تعارض الخبرين في الاخبار الآحاد الظنية.
ومنها: خبر أبي عمرو الكناني، قال: (قال لي أبو عبد الله عليه السلام:
يا أبا عمرو أ رأيت لو