منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٤٧٧
مضافا إلى تصريحه قبل سطرين من هذا الكلام في بيان موارد العدول عن رأي إلى آخر بعدم الفرق بين الحكم ومتعلقه بقوله: (ولا فرق في ذلك بين الحكم وغيره).
وأما التفصيل بين العبادات والعقود والايقاعات وبين الاحكام كما استظهره سيدنا الفقيه الأصفهاني فهو وإن كان مقتضى الأمثلة التي ذكرها صاحب الفصول لكل من القسمين، إلا أن عموم العنوان لا يلائمه.
وتحقيق مراد صاحب الفصول من التفصيل منوط بالنظر في تقسيم الوقائع إلى ما يتعين أخذه بمقتضى الفتوى وما لا يتعين أخذه بمقتضاها، وقد فسر بوجهين:
الأول: ما أفاده سيدنا الفقيه صاحب الوسيلة من: أن الأعمال الصادرة من المكلفين على قسمين، قسم يتوقف صحته على الاستناد إلى حجة من اجتهاد أو تقليد أو احتياط، وذلك كالعبادات والعقود والايقاعات. وقسم لا يتوقف وقوعه على الاستناد إلى حجة، بل هو بحيث لو وقع يصير موضوعا لحكم شرعي يترتب عليه كقطع حلقوم حيوان قابل للتذكية، فإن هذا القطع يتحقق كيف ما كان، لكنه يكون موضوعات للحكم بالتذكية عند من تكون التذكية بنظره قطع الحلقوم، ولا يكون موضوعا لها عند من يعتبر فيها قطع الأوداج الأربعة.
الثاني: ما أفاده المحقق الأصفهاني (قده) ببيان أبسط، وهو: (أن المراد مما وقع في العنوان من تعين الوقوع شرعا بأخذه بمقتضى الفتوى وعدم تعينه بأخذه بها: أن الواقعة التي لا بقاء لها لا تقع صحيحة إلا بمقتضى الفتوى، فهذا الوجود الوجداني لا يقع شرعا إلا صحيحا على الفرض، فلا ينقلب.
بخلاف ما له بقاء، فإنه لا يتعين، لامكان الانقلاب فيه بتجدد الرأي. وليس المراد أن وقوعه شرعا لا يكون منوطا بالفتوى ليحمل على إرادة الموضوعات الواقعية، بل عدم تعين وقوعها وتمحضها في الصحة، بل لها تعين آخر بتجدد الرأي، وإلا فلو فرض عدم تبدل الرأي فيها وقعت صحيحة نافذة) أقول: الظاهر أن البيان الثاني أقرب إلى مقصود صاحب الفصول من البيان الأول، فإن ظاهر عنوان الفصول وإن كان موافقا للاستظهار الأول، إلا أن قوله بعده: (كما لو بنى على حلية حيوان فذكاه ثم رجع بنى على تحريم المذكى منه) يدل على لزوم الاستناد في كلا القسمين إلى حجة ثم يرجع عنها.
وعليه فيكون الفارق بين القسمين في بقاء مصب الرأي ومتعلق الحكم تارة وانتفائه أخرى.