منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٤٩٣
مصاديقه. ولو شك في النقل عن اللغوي والعرفي العامي إلى الالتزام ونحوه فأصالة عدم النقل تقضي بالعدم. وعليه فلا بد من الاخذ بمعناه اللغوي الذي هو أيضا معنى عرفي، لشهادة موارد استعماله في الاخبار بكون التقليد هو العمل.
فمنها: معتبرة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: (كان أبو عبد الله عليه السلام قاعدا في حلقة ربيعة الرأي، فجاء أعرابي فسأل ربيعة الرأي من مسألة فأجابه، فلما سكت قال له الأعرابي: أ هو في عنقك؟ فسكت عنه ربيعة، ولم يرد عليه شيئا، فأعاد المسألة عليه، فأجابه بمثل ذلك، فقال له الأعرابي: أهو في عنقك؟ فسكت ربيعة، فقال أبو عبد الله عليه السلام: هو في عنقه، قال أو لم يقل، وكل مفت ضامن).
ومنها: ما دل على أن من أفتى بغير علم فعليه وزر من عمل به، كمعتبرة أبي عبيدة، قال: (قال أبو جعفر عليه السلام: من أفتى الناس بغير علم ولا هدى من الله لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، ولحقه وزر من عمل بفتياه).
ومنها: ما ورد في الحج من أن كفارة تقليم الأظافر على من أفتى به، لا على المباشر، مثل رواية استحقاق الصيرفي، قال: (قلت لأبي إبراهيم عليه السلام: إن رجلا أحرم فقلم أظفاره وكانت له إصبع عليلة، فترك ظفرها لم يقصه، فأفتاه رجل بعد ما أحرم، فقصه فأدماه، فقال: على الذي أفتى شاة).
ودلالة هذه الأخبار على كون المناط في تحمل مسؤولية الغير هو العمل بفتياه - لا مجرد أخذها مقدمة للعمل أو التزامه بها - واضحة.
وعلى هذا المعنى جرى الاصطلاح في العرفيات مثل قوله: (قلدتك الدعاء والزيارة) أي:
جعلت عليك الدعاء لي والزيارة عني.
والمتحصل: أنه لا داعي إلى العدول عن معنى التقليد لغة وعرفا إلى الالتزام بالعمل، بل هو نفس العمل، لكونه أنسب بمعناه اللغوي، فيكون التقليد صبغة ولونا للعمل، لا تعلما للفتوى، ولا التزاما بها، ولا مجرد موافقة العمل لها قهرا وصدفة، لفقدان معنى مصدر باب التفعيل فيه، فالتقليد بمعناه المصدري هو تطبيق العمل على رأي الغير، لا مطلق المطابقة له ولو تصادفا.
والظاهر أن مقصود جمع ممن فسروه بالأخذ تارة والقبول أخرى هو العمل أيضا، لشيوع