منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٧٥
وأما حجية أحدهما تخييرا - وهي أحد محتملات المسألة - فتقريبه:
أن مفاد أدلة اعتبار الامارة وإن كان حجية كل فرد تعيينا لا تخييرا بينه وبين غيره، ومقتضاه سقوط كليهما حال التعارض، لامتناع التعبد بالمتناقضين أو المتضادين، إلا أنه لا مانع من تقييد إطلاق حجية كل واحد منهما بترك الاخذ بالآخر، بدعوى: أن العقل إذا لاحظ امتناع وجوب الاخذ بهما عينا مع كون المتكلم حكيما لا يكلف بما ليس بمقدور ولا بالتطرق إلى الواقع بما علم كذبه، استكشف عن الخطاب الظاهر شموله لصورة التعارض أن الحكم فيهما هو الوجوب التخييري.
ولكنه ممنوع أيضا بأن لازمه حجية كل منهما عند ترك الاخذ بهما معا، فيعود محذور التعبد بالمتناقضين، فكيف يستكشف العقل خطابا تخييريا؟ فإيكال حجية كل منهما إلى ترك الاخذ بالآخر غير مفيد، إذ لازمه حجية كليهما عند ترك الاخذ بهما.
مضافا إلى: أن لازمه حجية معلوم الكذب، وهو مخالف للعلم بعدم حجيته.
ولا تقاس الحجية التخييرية المستفادة من تقييد دليل الاعتبار على التخيير الثابت بأخبار التخيير بين الخبرين المتعارضين، وذلك لان المقصود إثبات التخيير بنفس الأدلة الأولية بتقييد إطلاقها الظاهر في الحجية التعيينية. وأما أخبار التخيير فهي دليل ثانوي يدل على لزوم الاخذ بأحدهما، والمؤاخذة بمخالفة الواقع لو ترك العمل بهما، كالمخالفة على ترك الواقع في الشبهة البدوية قبل الفحص. ومن المعلوم الفرق بين وجوب الاخذ بأحدهما بدليل ثانوي وبين ما يدل على حجية أحدهما عند الاخذ به، فالأخذ واجب بمقتضى الاخبار، و شرط الحجية بمقتضى التقييد، فلا وجه للقياس المزبور.
وأما سائر المحتملات من حجية أحدهما تعيينا وهو الموافق للواقع، وحجية كليهما وغيرهما فقد عرفت من مطاوي ما تقدم بطلانها، و لا جدوى في التعرض لها تفصيلا، وإن شئت الوقوف عليها، فراجع حاشية الرسائل وحاشية المحقق الأصفهاني (قده).
وأما نفي الثالث - ومورده ما إذا لم يعلم من الخارج موافقة أحد المتعارضين للواقع وقد اشتبه بالآخر ظاهرا، فإنه يصلح الموافق الواقعي لنفي الثالث قطعا - فاستدل له بوجوه:
منها: نفيه بأحدهما لا بعينه كما تقدم من المصنف.
ومنها: نفيه بكليهما، وقد تقدم نقله عن حاشية الرسائل في التوضيح.
ومنها: نفيه بكليهما بتقريب آخر، مذكور في تقرير بحث سيدنا الفقيه الأعظم الأصفهاني (قده)، ومحصله: أن لكل واحد من المتعارضين مدلولا مطابقيا ومدلولين التزاميين، والتعارض يوجب