منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٤٧٨
والفرق بينهما كما أفاده المحقق الأصفهاني هو: أن الأول ما لا يقتضي بانقضاء الزمان، بل له بقاء وإن تغير حكمه، كالحيوان الذي بنى على حليته فذكاه، فإنه باق، والمفروض أن حكم هذا الموضوع الباقي هي الحرمة. وأما التذكية فهي مبنية على حليته، وهو على الفرض فعلا محرم. وكعرق الجنب من الحرام وملاقيه، فإنهما موضوعان مر عليهما الزمان مرتين، وحكمهما فعلا النجاسة، فكيف يعامل معهما معاملة الطاهر؟ وكالمرأة المرتضعة بعشر رضعات، فإنها باقية وحكمها فعلا الحرمة.
والثاني: ما ينقضي بانقضاء الزمان، وليس للزمان عليه مروران كالصلاة بلا سورة، أو الواقعة في شعر الأرانب والثعالب، أو الواقعة فيما بنى على طهارته. وكذا العقد الفارسي والايقاع كذلك مثلا، فحيث لا بقاء لها بل لها ثبوت واحد، وهي على الفرض وقعت صحيحة فلا دليل على انقلابها فاسدة بعد فرض وقوعها صحيحة. وهذا معنى أن الواقعة الواحدة لا تتحمل اجتهادين.
والفرق بين العقد الفارسي والعقد على المرتضعة بعشر رضعات هو: أن محط الفتوى هو العقد في الأول، وقد مضى صحيحا فلا ينقلب فاسدا، ومحط الفتوى في الثاني هي المرأة المرتضعة - إذ النقص فيها لا في العقد - ومصب الرأي باق فعلا، والمفروض تغير حكمها، فلا انقلاب، بل انتهاء أمد حكمها الأول، فهي بالإضافة إلى الرأي الثاني موضوع آخر.
وهذا البيان المستفاد من عبارة صاحب الفصول يشهد بعدم كون مقصوده من الاستدلال على مدعاه (بعدم تحمل الواقعة الواحدة لاجتهادين) التفصيل بين الاحكام والمتعلقات حتى يرد عليه ما في المتن من عدم الفرق في هذه الجهة بين الاحكام ومتعلقاتها على الطريقية. فإن الايراد وإن كان صحيحا في نفسه، إذ لا تفاوت بين الاجتهاد في الحكم والموضوع على الطريقية، إلا أن صاحب الفصول لم يقصد به هذا التفصيل، وإنما يقصد به التفرقة بين نفس الوقائع من حيث بقاء المتعلق في عمود الزمان وعدمه. هذا مجمل الكلام في المقام الأول.
وأما المقام الثاني: فنقول فيه: إن أدلة صاحب الفصول على هذا التفصيل لا تخلو من نظر.
أما الأول - وهو عدم تحمل الواقعة الواحدة لاجتهادين - فهو مجمل جدا، فإنه بناء على الطريقية في الامارات - كما هو مختاره أيضا - ينكشف فساد الأعمال التي رتبها على الاجتهاد الأول، غايته كونه معذورا في مخالفة الواقع. نعم بناء على موضوعية قيام الامارة لحدوث مصلحة في قبال الواقع