منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٣٧٧
فالاجتهاد بمعنى استفراغ الوسع ونحوه لا يتوقف على قوة قدسية و موهبة إلهية وقذف نور منه تعالى شأنه في قلب المستنبط وإن كان كل كمال علمي وعملي منه تعالى. فما في القوانين والفصول من (اعتبار القوة القدسية) إن أريد به مجرد ملكة الاستنباط كان في محله، لما تقدم من استحالة الاجتهاد بدون هذه الملكة. وإن أريد به أمر آخر وهو إشراق الفيوضات الربانية على قلب المجتهد، فلا ريب في عدم اعتباره في أصل الاجتهاد، لحصول ملكة الاستنباط للعادل والفاسق والمؤمن والمنافق بمجرد إتقان المبادئ الدخيلة في تحصيل الحجة على الحكم الشرعي.
نعم لا شك في أن المجتهد الموضوع لجميع الآثار كنفوذ قضائه و ولايته على القصر والجهات وغيرهما هو المجتهد العادل، بل فوق العدالة بناء على ما هو المحتمل من رواية التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام. وحصول هذه الملكة القدسية يتوقف على الالتزام العملي بأوامر الشارع ونواهيه وتخلية النفس من الرذائل و تحليتها بالفضائل والمراقبة في الخلوة والجلوة، فإنه لا يعزب عن علمه وساوس النفس فضلا عن أعمال الجوارح، ولا ريب في أن حصول هذه القوة القدسية في مثل هذه الأزمنة كاد أن يلحق بالمحالات إلا من شملته العناية الإلهية، عصمنا الله جميعا من الخطأ والزلل في القول والعمل.
وفي ختام الكلام لا بأس بذكر أمر تعرض له بعض المحققين، وهو:
أن ملكة الاجتهاد تفترق عن الملكات الخلقية كالشجاعة و السخاوة ونحوهما بأن هذه الملكات تحصل من الافعال المسانخة لاثارها، فالشجاع لا بد أن تتكرر منه منازلة الابطال، والاقدام في المخاوف حتى تحصل له ملكة الشجاعة ويصح إطلاق الشجاع عليه، وبعد حصولها تكون الافعال الصادرة منه آثارا لتلك القوة الراسخة في نفسه، ومسانخة للأفعال السابقة على حصول الملكة، فالافعال السابقة على حصولها واللاحقة له متماثلة.
وهذا بخلاف ملكة الاستنباط، فإن حصولها منوط بإتقان مبادئ الاجتهاد خصوصا علم الأصول، وبعد حصول هذه الملكة تكون نتيجتها القدرة على استنباط الاحكام الفرعية، ومن المعلوم مغايرة الاستنباط المتوقف على الملكة للمبادئ التي يتوقف حصول الملكة عليها.
وحيث كانت ملكة الاستنباط مقدمة على نفس العمل - لاستحالته بلا قوة عليه - تعرف إمكان انفكاكها عن الاستنباط الخارجي، فقد تحصل هذه القدرة بسبب إتقان مبادئ حصول الملكة،