منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ١١٢
وأورد على الاستدلال بهذه المكاتبة بخروج موردها عن التعارض، للجمع العرفي بينهما بحمل الخبر العام - المثبت للتكبير في جميع الانتقالات - على الخبر الخاص النافي للتكبير في خصوص حال النهوض، والقاعدة تقتضي الجمع بين الخبرين بالتخصيص، لا الحكم بالتخيير، فالحكم بالتخيير وعدم تخصيص العموم إنما هو لكون التكبير ذكرا في نفسه.
لكنه لا يخلو من خفاء، فإن جهة سؤال الحميري هي اختلاف الخبرين في استحباب التكبير بالسلب والايجاب. ولو كان مقصوده عليه السلام من جعل التخيير - وعدم إرشاد السائل إلى الجمع بين الخبرين بالتقييد - كون التكبير ذكرا في نفسه كان المناسب بيان ما يدل عليه، لا الحكم بالتوسعة في الاخذ، فإن قوله عليه السلام:
(بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك) ظاهر في الحجية التي هي مسألة أصولية، ونتيجة حجية أحدهما تخييرا جواز الافتاء باستحباب التكبير في جميع الانتقالات بما أنه حكم الله، اعتمادا على رواية (فعليه التكبير) لا الاتيان به من جهة مطلوبية مطلق الذكر.
وعليه فالظاهر تمامية دلالة المكاتبة على التخيير. وإطلاقها - الناشئ من ترك الاستفصال - يعم المتفاضلين كالمتكافئين، والتعليل المستفاد من قوله: (من باب التسليم) يقتضي تعميم الحكم لجميع موارد التعارض.
الرواية الخامسة: معتبرة سماعة المتقدمة في التوضيح، رواها ثقة الاسلام عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عثمان بن عيسى والحسن بن محبوب جميعا عن سماعة. وهذا السند موثق أو صحيح.
والتعبير عنه بالحسن أو الموثق - كما في كلام العلامة المجلسي - لا بد أن يكون من جهة إبراهيم بن هاشم، مع أن المحكي عن الوجيزة توثيقه.
وأما الدلالة فقد تقدمت في التوضيح إجمالا، وأن سؤال سماعة:
(كيف يصنع؟) يكون عن حكم واقعة ورد فيها حديثان مختلفان، وكلا الراويين من أهل دينه، وأجاب عليه السلام بإرجاء الواقعة إلى ملاقاة الإمام عليه السلام حتى يسأله عن حكمها، وبالتوسعة في الفترة الفاصلة بين الواقعة وبين الملاقاة، والمقصود بهذه الرخصة التخيير في العمل بكل منهما شاء.
وأورد على الاستدلال بها تارة: بأن موردها دوران الامر بين المحذورين (حيث إن أحد الخبرين يأمر والاخر ينهى، والعقل يحكم فيه بالتخيير بين الفعل والترك، وقول الإمام عليه السلام:
فهو في سعة لا يدل على أزيد منه).
وأخرى: بأنها - مضافا إلى اختصاصها بالتمكن من لقاء الإمام عليه السلام - تكون من أدلة التوقف لا من أدلة التخيير، لقوله عليه السلام:
يرجئه.