منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ١٨٧
الإمام الصادق عليه السلام كما يظهر من رواية خالد بن بكير في باب الوصية، وكان الشائع في عصر إمام آخر رأيا آخر لم تقتض روايات الترجيح بمخالفة العامة أن يعامل مع الخبر المروي عن ذلك الإمام عليه السلام معاملة الخبر المروي عن الصادق عليه السلام الموافق لروايات العامة أو لرأيهم.
قال شيخنا الأعظم (قده): (فقد حكي عن تواريخهم: أن عامة أهل الكوفة كان عملهم على فتوى أبي حنيفة وسفيان الثوري ورجل آخر، وأهل مكة على فتاوى ابن أبي جريح، وأهل المدينة على فتاوى مالك، وأهل البصرة على فتاوى عمارة وسوادة، وأهل الشام على فتاوى الأوزاعي والوليد، وأهل مصر على فتاوى الليث بن سعيد، و أهل خراسان على فتاوى عبد الله بن المبارك الزهري، وكان فيهم أهل الفتاوى من غير هؤلاء كسعيد بن المسيب وعكرمة وربيعة الرأيومحمد بن شهاب الزهري، إلى أن استقر رأيهم بحصر المذاهب في الأربعة سنة خمس وستين وثلاثمائة كما حكي).
والحاصل: أن كون مخالفة العامة مرجحة لاحد المتعارضين أو مميزة للحجة عن غير الحجة يتوقف على تتبع آرائهم وأخبارهم و ملاحظة عصر صدور الخبرين حتى يظهر أن الامام المعصوم عليه السلام كان مستطيعا على بيان الحكم الواقعي أم مضطرا إلى موافقة القوم.
الرابع: قد عرفت أن المرجحين المنصوصين هما موافقة الكتاب و السنة ومخالفة العامة مع الترتيب بينهما، وكل منهما مرجح مستقل. و هذا هو ظاهر مصحح عبد الرحمن. نعم جمع الإمام عليه السلام في المقبولة في الترجيح بهما بعد الترجيح بالشهرة، وهذا ربما يستفاد منه كون المجموع مرجحا واحدا، فلا بد من اجتماعهما في أحد الخبرين المتعارضين كي يقدم على غيره، فلو كان أحدهما في أحد الخبرين لم ينفع في مقام الترجيح.
لكن الظاهر عدم قرينية ذكرهما معا على كونهما مرجحا واحدا، و ذلك لأنه عليه السلام بعد قول عمر بن حنظلة: (جعلت فداك إن رأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والاخر مخالفا لهم بأي الخبرين يؤخذ؟ قال: ما خالف العامة ففيه الرشاد) ومن المعلوم أنه عليه السلام جعل مخالفة العامة - بعد موافقة الخبرين للكتاب والسنة - مرجحا مستقلا، فلا بد أن تكون موافقة الكتاب والسنة مرجحة مستقلة أيضا، ولو لم تكن هذه مرجحة مستقلة لكان انضمامها إلى مخالفة العامة من باب ضم الحجر إلى جنب الانسان، غاية الامر أنه عليه السلام فرض أحد الخبرين جامعا لكلا المرجحين والاخر فاقدا لهما، وبعد سؤال الراوي عن الواجد لاحد