منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٥٧٥
وفي كلتا الروايتين أولا: ضعف السند، وثانيا: ضعف الدلالة، لان ظاهرهما هو التصدي للخلافة التي هي منصب شامخ إلهي لا تحصل لاحد بإتعاب النفس، بل هي موهبة إلهية لا يتقمصها إلا من شملته العناية الربانية. والإمام عليه السلام ردع عمه عن التصدي للخلافة بأن الخليفة لا بد أن يكون أعلم من جميع الأمة ليقتدر على حل جميع مشاكلهم، وتعليم مسائلهم، وقضاء حوائجهم، وجلب مصالحهم، ودفع مفاسدهم.
ولو كان المراد إفتاء الفقيه لزم منه عدم جواز الافتاء للمفضول أصلا، لانحصار جواز الافتاء بمن هو أعلم من جميع الأمة. وهذا كما ترى، لوضوح حجية فتوى المفضول ما لم يعارضها فتوى الأفضل.
فتلخص: أنه لا سبيل إلى الاستدلال بالروايات على وجوب تقليد الأعلم تعيينا.
3 - أقربية فتوى الأعلم إلى الواقع الوجه الثالث من الوجوه المحتج بها على وجوب تقليد الأعلم تعيينا عند التعارض: أن فتوى الأعلم أقرب إلى الواقع من فتوى غيره. وقد تقدم في التوضيح (ص 555) تقريب الاستدلال به، والاشكال الصغروي والكبروي عليه.
و كان على المصنف (قده) الذي وافق جماعة من المحققين الذين تقدم ذكرهم في منع الصغرى - وهي أقربية فتوى الأفضل مطلقا من فتوى المفضول - أن يناقش فيما أفاده الشيخ الأعظم (قده) من صحة الصغرى المذكورة، وبطلان ما أفادوه من منع صحتها، ضرورة توقف تسليم الاشكال الصغروي على رد ما أفيد في صحتها، وإلا فلا بد من الاعتراف بصحتها.
وكيف كان فلا بأس بالإشارة إلى ما عن الشيخ (قده) في التقريرات من تصحيح الصغرى، وهي أقربية فتوى الأفضل من فتوى المفضول وإن كانت موافقة للمشهور أو للاحتياط أو لفتوى أعلم الاحياء والأموات.
ومحصل ما في التقريرات بطوله هو: أن من منع الصغرى إن أراد بذلك إثبات التسوية بين الأعلم والعالم من حيث الظن في حد ذاتهما مع الغض عن الأمور الخارجية، ففيه: أنه خلاف الضرورة والوجدان، إذ لا ينبغي الارتياب في أن لزيادة العلم والبصيرة بمدارك المسألة ومعارضاتها