منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ١٨٣
على الفرد النادر بعد تقييدها بهذين المرجحين. نعم يلزم ذلك لو قيل بالتعدي عنهما إلى مرجحات أخرى، أو إلى مطلق ما يوجب القرب إلى الواقع على ما استفاده جمع من الأجلة من تلويحات أخبار الباب.
وإلا فمع الاقتصار في الترجيح على الامرين المذكورين تبقى موارد كثيرة لاخبار التخيير.
ومنه ظهر عدم الوجه في حمل الأخبار الآمرة بالترجيح بهما على الاستحباب. مضافا إلى إباء بعض الألسنة عن هذا الحمل كالتعليل بأن ما خالفهم فيه الرشاد.
وينبغي التنبيه على أمور:
الأول: أن الترجيح في الجملة - مما عليه الأصحاب وإن اختلفت كلماتهم في الترجيح ببعض الوجوه أو في ترتيبها، وسيأتي كلام ثقة الاسلام في الترجيح بالشهرة وبموافقة الكتاب ومخالفة العامة في التوضيح من (ص ١٩٣). وقال الشيخ في العدة: (وأما الاخبار إذا تعارضت وتقابلت، فإنه يحتاج في العمل ببعضها إلى ترجيح، و الترجيح، يكون بأشياء، منها: أن يكون أحد الخبرين موافقا للكتاب أو السنة المقطوع بها والاخر مخالفا، فإنه يجب العمل بما وافقهما وترك ما خالفهما.) ثم رجح بموافقة إجماع الفرقة وبصفات الراوي.
إلى أن قال: (فإن كان رواتهما ثم متساويين في العدد والعدالة عمل بأبعدهما من قول العامة وترك العمل بما يوافقهم.).
واعترض عليه المحقق بأن الترجيح بمخالفة العامة مستند إلى رواية رويت عن الصادق (عليه السلام) (وهو إثبات لمسألة علمية بخبر الواحد).
وأورد عليه بعدم انحصار المدرك في رواية واحدة، لاستفاضة الاخبار، بل تواترها على الترجيح بمخالفة العامة.
وقد يوجه كلام المحقق بأن أخبار الترجيح بهذا المرجح كلها منقولة عن رسالة القطب الراوندي - التي صنفها في بيان أحوال أحاديث أصحابنا وصحتها - عن الإمام الصادق عليه السلام بسند معتبر. إلا أن هذه الرسالة لم تثبت نسبتها إلى القطب ثبوتا شائعا كما ادعاه الفاضل النراقي في المناهج، فلا حجية فيما نقل عنها، وينحصر مستند الترجيح بمخالفة العامة في المقبولة، ومرسل الاحتجاج عن سماعة بن مهران، وحيث لا اعتبار بالثانية فيتجه مدعى المحقق - بناء على مبناه - من قصور خبر الواحد عن إثبات مسألة علمية.
أقول: لا تخلو الشبهة التي أبداها الفاضل النراقي من وجه، فإن هذه الرسالة وإن روى عنها المحدثان المجلسيان في الروضة و البحار، وكذا صاحب الوسائل. لكنها ليست في اشتهار النسبة