منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٥٦٨
الفتويين المتعارضتين، فأصالة عدم الحجية تقتضي عدم حجيتهما معا.
وثانيا: منع صلاحية الغلبة - بعد تسليمها - لصرف الاطلاقات عن ظاهرها من الحجية التعيينية إلى التخييرية الشاملة لصورة اختلاف الفتاوي، وذلك لقصور أدلة اعتبار الفتاوى كالروايات عن شمولها للفتاوى المتعارضة، حتى تصل النوبة إلى صرفها عن الحجية التعيينية إلى التخييرية، فهي لا تدل على اعتبار كلتا الفتويين المتعارضتين ولا واحدة معينة منهما، لعدم الترجيح، ولا مخيرة منهما لعدم فرديتها لدليل حجية الفتاوى. فإثبات حجية إحداهما منوط بدليل آخر كالاجماع المدعى على عدم سقوط كلتا الفتويين المتعارضتين، كإثبات حجية أحد الخبرين المتعارضين بالاخبار العلاجية هذا.
وفي الثانية - وهي القرينة العقلية - أن قياس تعارض الفتويين بموارد الجمع العرفي في غير محله، لعدم التعارض فيها مع إمكان الجمع بينها عرفا، وعدم تحيرهم في تشخيص المراد منها، ففرق واضح بين الفتويين اللتين تكون إحداهما وجوب السورة مثلا و الأخرى عدمه، وبين قوله:
(من أفطر متعمدا في شهر رمضان فعليه صوم شهرين متتابعين) وقوله: (من أفطر فعليه إطعام ستين مسكينا) فإنه لا يمكن الجمع بين وجوب السورة وعدمه مع هذا التعارض التناقضي، بخلاف مسألة تعمد الافطار، فإن لكل من هذين الكلامين نصا وظاهرا، والعرف يجمع بينهما برفع اليد عن ظهور كل منهما في التعيينية بنص الاخر، فإن ما يدل على (وجوبإطعام ستين مسكينا) نص في وجوب الاطعام وظاهر في تعينه وعدم وجوب عدل له، ويرفع اليد عن هذا الظاهر بنص ما يدل على وجوبصوم شهرين، وبالعكس، و يكون نتيجة هذا الجمع وجوب كل من الاطعام والصوم تخييرا، لان مقتضى ارتفاع ظهور كل منهما في التعيينية بنص الاخر هو التخيير بين الصوم والاطعام.
فالمتحصل: أن إطلاقات أدلة التقليد لا تدل على المدعى وهو التخيير بين الفتويين المتعارضتين، بل هي ساقطة عن الاعتبار، فلا بد في إثبات حجية إحدى الفتويين تخييرا من التماس دليل آخر، فالاستدلال بتلك الاطلاقات على جواز تقليد غير الأعلم مع الاختلاف في الفتوى في غير محله.
2 - استلزام وجوب تقليد الأعلم للعسر الثاني: أن وجوب تقليد الأعلم عسر على المكلفين، لتعسر تشخيص مفهومه ومصداقه، وكذا