منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٥٦٦
وفيه: أن الأصل عدم حجية فتوى المفضول، لما تقدم من أن المتيقن خروجه عن عموم ما دل على حرمة العمل بالظن هو قول الأفضل، لتعينه بنظر العقل في مقام الإطاعة وتفريغ الذمة، دون قول المفضول، لان العمل به إطاعة احتمالية لا يكتفي بها في حصول الامتثال.
ودعوى خروج فتوى المفضول أيضا عن عموم حرمة العمل بالظن، لأنه مقتضى حكومة إطلاق دليل الخاص على عموم العام، فالنتيجة التخيير بين الفتويين، غير مسموعة، لان أدلة التقليد لا تشمل الفتويين المتعارضتين حتى يكون إطلاقها حاكما على عموم أدلة حرمة العمل بالظن، وإنما الدليل على اعتبارهما هو ما ادعي من الاجماع على عدم سقوطهما، والعقل حينئذ يحكم بالتخيير مع تساوي المجتهدين في العلم، وبالترجيح مع تفاضلهما، فلا دليل لا عقلا ولا نقلا على حجية فتوى المفضول المخالفة لفتوى الأفضل. أما الأول فلقبح ترجيح المرجوح على الراجح، وأما الثاني فلما مر آنفا من سقوط أدلة التقليد وعدم شمولها للمتعارضين.
وأما ما ذكره المستدل - من توقيفية المرجحية كالحجية، ومع الشك فيها يجري الأصل في عدمها - ففيه: أنه متجه في التخيير الشرعي الثابت بالدليل كالتخيير بين الخبرين المتعارضين، ضرورة أن رفع اليد عن الحجية - وهي دليل التخيير الشرعي - لا مسوغ له إلا الدليل، فإن إطلاق دليل التخيير حجة، وهو ينفي كل مشكوك المرجحية، ولا نرفع اليد عن هذا الاطلاق إلا بما دل الدليل على مرجحيته الموجبة لتقيد إطلاق أدلة التخيير. وهذا بخلاف التخيير العقلي، فإن ملاكه هو التساوي المفقود فيما إذا كان لاحد المتعارضين مزية و إن لم تثبت مرجحيته شرعا.
فصارت النتيجة: أن الأصل في المسألة عدم حجية قول المفضول، وأن شيئا من الوجوه التي قرر بها الأصل لا يجدي في إثبات جواز تقليد المفضول في صورة معارضة فتواه لفتوى الأفضل، بل الأصل كما تقدم يقتضي عدم الجواز، والله العالم.
القسم الثاني: الأدلة الاجتهادية 1 - إطلاقات أدلة التقليد المقام الثاني: في استدلال المجوزين لتقليد المفضول مع معارضة فتواه لفتوى الأفضل بالأدلة الاجتهادية، وهي كثيرة:
الأول: إطلاقات أدلة مشروعية التقليد من الآيات والروايات، بتقريب: أنها وإن كانت ظاهرة