منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٢٤
وكيف كان فلنعد إلى ما وعدنا بيانه من اختلاف تفسير التعارض بما أفاده الشيخ والمصنف (قدهما) وعدمه، ثم تعقيبه بما أورد على كل منهما، فنقول وبه نستعين: قال شيخنا الأعظم:
(وغلب في الاصطلاح على تنافي الدليلين وتمانعهما باعتبار مدلولهما، ولذا ذكروا.) وقريب منه تعريف الماتن في الفوائد كما تقدم في (ص 19). وقال المحقق الميرزا الآشتياني (قده): (وان كان الظاهر على ما صرح به شيخنا الأستاذ في مجلس البحث عدم اتصاف المدلول به عندهم، وكون هذا التعريف مبنيا على الإشارة إلى كون تنافي الدليلين إنما هو باعتبار مدلوليهما). وعلى هذا فقد تفطن الشيخ الأعظم لعدم اتصاف المدلولين بالتعارض وإن اتصاف بالتنافي والتمانع، وأن التعارض وصف لنفس الدليلين والأمارتين. و هذه النكتة المحكية عن مجلس درسه الشريف جهة أخرى في تعريف الشيخ للتعارض بتنافي الدليلين، غير ما أفاده المصنف في حاشية الرسائل من وجهين تقدما في التوضيح، وهما: كون الوصف بحال الموصوف، وخروج موارد التوفيقات العرفية.
وأما الفرق بين التعارض والتنافي - بنظر شيخنا الأعظم - فقد تقدم مجمله في التوضيح وأوضحه المحقق الأصفهاني (قده) في تعليقته بما محصله: أن التنافي ينسب تارة إلى المدلولين من الوجوب و الحرمة أو الوجوب وعدمه، وأخرى إلى الدليلين بما هما دليلان و حجتان، فيكونان متنافيين في الحجية والدليلية، وثالثة إلى الدليلين بما هما كاشفان عن أمرين متنافيين لتلون الدال بلون المدلول لفنائه فيه. والتنافي وهو عدم الاجتماع في الوجود يكون في الأولين بالذات وفي الثالث بالعرض.
أما تنافي الوجوب والحرمة فلوضوح امتناع اجتماعهما. وأما تنافي الدليلين والحجتين كذلك فلامتناع حجيتهما معا، خصوصا إذا كانت الحجية بمعنى جعل الحكم المماثل، لأوله حينئذ إلى اجتماع الوجوب والحرمة الفعليين في موضوع واحد، وهو محال.
وأما كون تنافي الدالين بما هما كاشفان بالعرض فلأنهما غير متمانعين في الوجود، إذ ليس الكلام في الكاشفين القطعيين أو الظنيين بالظن الفعلي حتى يستحيل اجتماعهما بالذات، بل في الكاشفين بالكشف النوعي، ومن المعلوم إمكان اجتماعهما في الوجود، إذ التنافي في مطابقهما لا في نفسهما، ويكون توصيف الدال والكاشف بالتنافي بالعرض، لما بين الكاشف والمنكشف من الاتحاد جعلا و اعتبارا. وعليه يكون تنافي المدلولين واسطة في عروض التنافي على الدالين، لا واسطة في الثبوت.
والتعارض إن كان كالتنافي فهو ينسب إلى المدلول والدليل بالذات و إلى الكاشف بالعرض،