منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ١٧٦
فاختلف الحكم الصادر منهم في ذلك رجح بالمرجحات المذكورة.).
والمقصود أن بطلان رأي المتأخرين إجماعيا حتى يكون الترجيح بالصفات ثم بمستند حكميهما مخالفا للاجماع وموهونا بإعراض الأصحاب عنه.
وأما الاشكال الثاني - وهو غفلة كل من الحاكمين عن المعارض الواضح لمدرك حكمه - ففيه:
عدم استلزام تعارض حكميهما للغفلة عن المعارض الواضح، فإن الحديثين وإن كانا مشهورين كما صرح به السائل بعد الترجيح بالصفات، إلا أن عدم اعتناء كل من الحاكمين بما استند إليه الحاكم الاخر يمكن أن يكون لخلل في دلالته أو في جهته، فإن مجرد شهرة الروايتين رواية لا يوجب قطعية دلالتهما وجهتهما.
وأما توجيه غفلة الحاكمين بما تقدم في كلام المصنف - من إمكان قدح كل في سند الاخر، أو عدم كون الاخبار في عصر الصادقين عليهم السلام مدونة في جوامع الاخبار كالكتب الأربعة التي بأيدينا، فتتفق الغفلة عن المعارض حينئذ - فينافيه مورد المقبولة، حيث فرض الراوي شهرة الروايتين وموافقتهما للكتاب ومخالفتهما للعامة، وميل قضاتهم إلى إحداهما برهة وإلى الأخرى تارة أخرى.
وأما الاشكال الثالث - وهو اجتهاد المترافعين وتحريهما في ترجيح مدرك الحكمين - فالظاهر عدم لزومه أصلا، وذلك لان عمر بن حنظلة - بعد فرض تساوي الحاكمين في الصفات - سأل عن صورة تعارض حكميهما لاختلاف مستنديهما، وأجاب عليه السلام بقوله:
(ينظر إلى.) وهذا ظاهر في بيان ضابطة كلية من أنه متى ترافع الخصمان إلى حاكمين واختلفا في الحكم فاللازم النظر في مدركيهما، وليس المأمور بالنظر نفس المترافعين كي يشك بأن تفويض التحري إليهما مخالف للاجماع، وذلك لان (ينظر) مبني للمجهول، وليس مبنيا للفاعل كما كان في الافعال المتقدمة مثل (انظروا إلى، اختار رجلا، فرضيا أن يكونا) ونحوها. ولا يبعد أن يكون عدوله عليه السلام عن الفعل المبني للفاعل إلى المبني للمفعول للتنبيه على أن التحقيق في مستند الحكمين وظيفة المجتهد القادر على النظر في مدرك الحكمين، وعلى ترجيح أحدهما على الاخر.
وأما الاشكال الرابع - وهو ندرة تقارن الحكمين زمانا، ولزوم تنفيذ الأسبق منهما، لا الترجيح بالصفات وبالمستند - ففيه: أنه إن أمكن حمل الترجيح بالصفات على ما أفاده المحقق الآشتياني من (أن تعين الترجيح عند الاختلاف في كلي الواقعة أوجب الاخذ بالراجح في شخص الواقعة