منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ١٨٩
حدثتك بحديث أو أفتيتك بفتيا ثم جئتني بعد ذلك فسألتني عنه فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك، أو أفتيتك بخلاف ذلك، بأيهما كنت تأخذ؟ قلت بأحدثهما وأدع الاخر، فقال: قد أصبت يا أبا عمرو، أبى الله إلا أن يعبد سرا، أما والله لئن فعلتم ذلك، إنه لخير لي ولكم، أبى الله عز وجل لنا في دينه إلا التقية). ودلالته على العمل بالأحدث ظاهرة، فإنه عليه السلام قرر قول الراوي: (قلت:
بأحدثهما وأدع الاخر) بأنه مصيب، ومورد الخبر ما إذا كان الحديث المتأخر موافقا للعامة، بقرينة تعليله عليه السلام للزوم الاخذ بالأحدث بقوله: (أبى الله إلا أن يعبد سرا) وقوله: (أبى الله عز وجل لنا في دينه إلا التقية).
هذه عمدة ما دل على تعيين العمل بأحدث الخبرين المتعارضين.
والجواب العام عن هذه الأخبار - بعد الغض عما سيأتي من قصور بعضها سندا وبعضها دلالة - هو إعراض الأصحاب عنها وعدم كون الأحدثية موجبة لترجيح أحد الخبرين المتعارضين على الاخر، إلا ما يظهر من الصدوق في وصية الفقيه في باب (أن الرجلين يوصى إليهما، فينفرد كل واحد منهما بنصف التركة) وذكر فيه حديثين، ثم قال: (لست أفتي بهذا الحديث، بل أفتي بما عندي بخط الحسن بن علي عليهما السلام ولو صح الخبران جميعا لكان الواجب الاخذ بقول الأخير كما أمر به الصادق عليه السلام، وذلك أن الاخبار لها وجوه ومعان، وكل إمام أعلم بزمانه وأحكامه من غيره من الناس، وبالله التوفيق).
وتفصيل الكلام أما الخبر الأول - وهو خبر المعلى - فلا يخلو من إشكال في سنده ودلالته. أما السند فلعدم ثبوت وثاقة إسماعيل بن مرار إلا كونه من رجال تفسير علي بن إبراهيم القمي. وأما الدلالة فالظاهر من قوله عليه السلام: (فإن بلغكم) هو البلوغ بوجه معتبر كما قويناه في أخبار (من بلغ) لا مطلق وصول الحديث وإن كان ظنيا حتى يعم الاخبار الآحاد التي بأيدينا. وعليه يختص تقديم الأحدث بالقطعيين.
مضافا إلى: أن التعليل ب (انا والله لا ندخلكم إلا فيما يسعكم) يحتمل فيه أمران:
أحدهما: ما أفاده العلامة المجلسي: من إرادة الجواز من السعة، قال (قده): (قوله عليه السلام فيما يسعكم، أي: يجوز لكم القول والعمل به تقية أو لمصلحة أخرى).
وثانيهما: ما أفاده المحقق الأصفهاني (قده) بقوله: (وهي بقرينة امتداد الحكم إلى أن يبلغ عن