منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ١٨٢
موافق للعامة وآخر مخالف لهم حتى يقدم المخالف عند التعارض، بل أمر عليه السلام - بنحو الضابطة الكلية - بحمل ما يسمعه من الإمام عليه السلام عند شباهته ب آراء العامة على التقية، وعدم صدوره بداعي بيان الحكم الواقعي.
ومن المعلوم أن مفاد هذين الخبرين ونحوهما أجنبي عن باب ترجيح أحد الحديثين على الاخر، بحيث كان كل منهما حجة لولا المعارضة حتى إذا كان موافقا للعامة. ولا بد أن يراد بالامر بمخالفة فتوى فقيه البلد، أو حمل ما يشبه قول العامة على التقية إما فرض تفرد العامة بشئ واتخاذهم له طريقا وشعارا لهم بحيث يعرفون به، وكان ما عند الخاصة غيره - كما اختاره المحقق الأصفهاني (قده) - وفي مثله لا ريب في عدم حجية الخبر الموافق لهم. وإما فرض احتفاف الخبر بقرائن التقية بحيث يستفاد من نفس الخبر أنه صدر تقية كما استفادة المحقق النائيني (قده). وإن كان الأول أولى، إذ ربما تختفي القرائن مع كون مضمون الخبر مطابقا لما تفردت العامة به.
ثانيتهما: ما ورد في علاج المتعارضين من تقديم ما خالف العامة على ما وافقهم، كما تقدم في مصحح عبد الرحمن: (فإن لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامة، فما وافق أخبارهم فذروه، و ما خالف أخبارهم فخذوه) وكذا في خبر الحسن بن الجهم عن العبد الصالح (عليه السلام) المتقدم في (ص 140)، وفي غيرهما من الاخبار. ومورد الترجيح بهذه الاخبار هو أن يكون هناك خبران متكافئان في أصل ملاك الحجية صدورا وظهورا وجهة، غير أن أحدهما موافق للعامة والاخر مخالف لهم، فتكون كثرة الاحكام المشتركة بيننا وبينهم موجبة لاحتمال صدور كل من الخبر الموافق و المخالف بداعي بيان الحكم الواقعي وجريان أصالة الجد في كل منهما، فينحصر المانع عن الحجية الفعلية في التعارض، وقد حكم عليه السلام بترجيح الخبر المخالف، وأن الموافق منهما مشتمل على ما يوجب ضعف الملاك، والمخالف مشتمل على ما يوجب قوته، فيرجح.
وقد تحصل من هذا البحث الطويل الذيل: أن المرجح هو موافقة الكتاب ومخالفة العامة كما هو مقتضى كثير من أخبار الباب، فالمرجحات المنصوصة منحصرة بهذين المرجحين مع الترتيب بينهما بتقديم موافقة الكتاب والسنة على مخالفة العامة، بمعنى وجوب العرض أولا على الكتاب والسنة، ومع عدم وجدان الحكم فيهما يرجع إلى الترجيح بمخالفة العامة كما هو ظاهر مصحح عبد الرحمن.
ويتعين تقييد إطلاقات التخيير بهما، ولا محذور في هذا التقييد، إذ لا يلزم حمل تلك المطلقات