وتلمست سندا تلوذ بظله * فإذا مها وحولها وعراء فقضت شهيدة نبلها وحفاظها * وسمت بما يسمو به الشهداء عجبا أأتهم بعد ذلك بالمنى * وبأن عندي لا يزال رجاء فمتى وكيف أنال ما قد فاتني * والدهر يلعب في كيف يشاء وإذا تصفحت الحياة فلا أرى * الا شقاء يقتفيه شقاء أفلست تخطئ إذ تظن بأنني * ما زلت أرجو ان يحل هناء ويعود يبسم بعد طول تجهم * ثغري ويعلوه سنا وضياء وتزول من قلبي حماقة رحمة * ويحل فيه الحقد والايذاء وأريح نفسي من عناء صراحة * فأقول ما يستحسن السفهاء وأساير الأيام حسب ظروفها * فلكل يوم جبة ورداء وأبيع بالدينار كل مقدس * ان كان فيه متعة ورخاء لا تخطئن فقد تقلصت المنى * واحتل قلبي ظلمة سوداء وعلمت ان السعي ليس بنافعي * وبأن حظي والدواب سواء جهد بلا أجر وسوء طوية * بهما منيت وخسة وجفاء فلذاك طلقت الأنام وعيشهم * وبعدت عمن خلفت حواء وحصرت بالحيوان كل محبتي * فحلت بعيني (العنزة) الجرباء ودجاجة معطاء اسقط ريشها * من ضعفها (وبسينة) برشاء وألذ نطق صار عندي حينما * تعوي بقربي الكلبة العرجاء فإذا رثيت لحالها ورحمتها * ولها بذلت فلن يضيع سخاء تجزي الجميل بمثله فلكم بدا * منها لحاضنها رضى وثناء وعلى تواضع ما تجود به فلا * يسمو اليه في الحياة ثراء يا راثي المعزاة أرضيت الحجى * فيما رثيت واغضب السخفاء لا فض فوك فتلك أول مرة * يسمو بها الأدباء والشعراء ويرى على وجه البسيطة ناطق * لم تخل منه كرامة وحياء يقف القريض على اجتلاء حقيقة * لا المال يغريه ولا الأسماء لو أن أهل الشعر مثلك أنصفوا * لا زيل مدح واستزيد هجاء ولما رثى من آل آدم ميت * ولما أقيم لمدعين عزاء فاحق منهم بالمراثي والبكا * رغم الأنوف بهيمة خرساء وعاد صديقه من المستشفى فأرسل اليه هذه القصيدة معتذرا عن تأخره في زيارته:
تهاني المخلصين من الصحاب * اقدمها بميمون الاياب اقدمها إليك ولا أراها * ستذهب ما بنفسك من عتاب على من كنت تحسبهم كراما * وكنت تجلهم عن كل عاب وكنت تظن اما ساء حال * وراح البوم ينعب بالخراب لعهد الود لن ينسوا حقوقا * ولن تلهيهم متع الشباب فهم للقلب في البلوى عزاء * وهم سلواك في يوم اكتئاب نعم قد كنت تأمل ان يقوموا * بما تملي الصداقة من طلاب وما توحيه أمجاد عظام * ظفرت بها بتأليف (الكتاب) رفعت به لمجد العرب صرحا * تعالى فوق طيات السحاب وأخزى للفرنج عريض اسم * وهدم ما بنوه من قباب فصار ذليلنا يختال تيها * ويمشي مشية الأسد المهاب ويبصر نفسه كالفيل كبرا * ويعتبر الخلائق كالذباب ولا هم لديه يبيت فيه * ولا خوف عليه من عذاب فكل هواه في تحريك ناب * وفي وضع (المهند في القراب) فلا عجب إذا من بعد هذا * إذا ما رحت تطمع بالثواب وترغب بعد ان أسديت فضلا * ونعمى طوقت كل الرقاب بأن يحبوك قومك كل شكر * وان يفدوا على عالي الجناب كما وفدت خيار الناس سعيا * وراء الحج تطمع بالثواب فيمتطي النعال البعض منهم * ويعلو بعضهم ظهر الدواب ليكتحلوا برؤية المعي * ويغترفوا من البحر العباب أبيت اللعن مهلا بالتجافي * ولا تقس علينا بالحساب ولا تدع اللسان يثور غيظا * وتأخذ بالشتيمة والسباب وتهتك حرمة الأجداد منا * وتنثر ما عليهم من تراب فما كان القصور وليد سوء * وما كنا بفضلك في ارتياب ولكن الزمان قسا علينا * وجرعنا المصاب على المصاب فما نلقي صديقا نصطفيه * ولا نحظى بعيش مستطاب وهل في الأرض أشقى من كريم * يعيش فلا يداجي أو يحابي رماه الدهر في أوطان سوء * وأسلمه إلى قوم ذئاب فهذا أيقظ الوجدان منا * وصيرنا الطليعة لانقلاب يسد على اللئام طريق غش * ويرجعهم إلى الدرب الصواب ولم نبق كما كنا سواما * فتلهينا القشور عن اللباب نقضي العمر في اعراب بيت * ونترك بيتنا رهن الخراب ونقرأ عن لحوم الخلد آيا * ونحن يشوقنا لحم الكلاب نعم لم يبق يخدعنا كلام * إذا لم يأت بالعجب العجاب لذلك رحمة بك قد كرهنا * بأن نأتيك في جو اضطراب فلا تلقى من الاقبال شيئا * إذا ما رحت تمعن في خطاب وتنظر الجواب على سؤال * فيبقى ما سألت بلا جواب مع العلم الأكيد بأن ما في * جرابك لم يزل ضمن الجراب وما غيرت موضوعا قديما * ولا حاولت تجديدا لباب نريدك أن تكون رسول حق * تشمر للجهاد وللغلاب وتهجر برجك العاجي حتى * تحس بما يحس ابن التراب وتشعر كم يعاني من رزايا * وكم يسقى المرير من الشراب فتجعل علمك الموقور وقفا * على حل المشاكل والصعاب وترسل من صراخ الحق شعرا * يخفف لوعة القلب المذاب قلوب الكادحين من البرايا * يضرسها الشقاء بكل ناب فما صيغ البيان لقول زور * ولا الوجدان قدس للتغابي وما نفع الثقافة من أناس * إذا لم يسلكوا طرق الصواب وما رفعوا ثقافتهم منارا * لهذا الجيل يسطع كالشهاب ولا مدوا إلى المظلوم كفا * لترفع عنه أسواط العذاب وما يجدي بربك عذب ماء * إذا لم يسع يوما لانسياب ويقتحم المفاوز باندفاع * ليحيي تربة الأرض اليباب وهل يجدى ركود الماء الا * وباء يستحيل إلى تباب وأرسل هذه القصيدة إلى السيد نور الدين بدر الدين: