في الحلبة التي فيها طلقهم إلى أن ظفر بالملك واستولى على الدولة وهو يستتبعهم في مقاماته ويوطئهم عقبه ويذلل لهم الصعاب فيقتحمونها ويحوز لهم الرتب فيستهمون عليها ثم اقتعد منبر الملك والسلطان واستولى على كرسيه وقسم مراتب الدولة ووظائفها بين هؤلاء الأصحاب وآثر الجوباني منهم بالصفاء والمرباع فجعله أمير مجلسه ومعناه صاحب الشورى في الدولة وهو ثاني الأتابك وتلو رتبته فكانت له القدم العالية من أمرائه وخلصائه والحظ الوافر من رضاه وايثاره وأصبح أحد الأركان التي بها عمد دولته بأساطينها وأرسى ملكه بقواعدها إلى أن دبت عقارب الحسد إلى مهاده وحومت شباة السعاية على قرطاسه وارتاب السلطان بمكانه وأعجل الحزم على امهاله فتقبض عليه يوم الاثنين لسبع بقين من سنة سبع وثمانين وأودعه بعض حجر القصر عامة يومه ثم أقصاه إلى الكرك وعواطف الرحمة تنازعه وسجايا الكرم والوفاء تقض من سخطه ثم سمح وهو بالخير أسمح وجنح وهو إلى الأدنى من الله أجنح فسرح إليه من الغد بمرسوم النيابة على تلك الأعمال فكانت غريبة لم يسمع بمثلها من حلم هذا السلطان وأناته وحسن نيته وبصيرته وكرم عهده وجميل وفائه وانطلقت الألسن بالدعاء له وامتلأت القلوب بالمحبة وعلم الأولياء والخاصة والشيع والكافة انهم في كفالة أمن ولطف وملكة احسان وعدل ثم مكث حولا يتعقب أحواله ويتتبع سيره وأخباره طاويا شأنه في ذلك عن سائر الأولياء إلى أن وقف على الصحيح من أمره وعلم خلوص مصادقته وجميل خلوصه فأخفق سعى الداعين وخابت ظنون الكاشحين وأدا له العتبى من العتاب والرضا من النكري واعتقد ان يمحو عنه هواجس الاسترابة والاستيحاش ويرده إلى أرفع الامارة وبينما هو يطوى على ذلك ضميره ويناجى سره إذ حدثت واقعة بندمر بالشأم فكانت ميقاتا لبدر السعادة وعلما على فوزه بذلك الحظ كما نذكر ان شاء الله تعالى وخبر هذه الواقعة أن بندمر الخوارزمي كان نائبا بدمشق وقد مر ذكره غير مرة وأصله من الخوارزمية اتباع خوارزم شاه صاحب العراق عند استيلاء التتر وافترقوا عند مهلكه على يد جنكزخان في ممالك الشأم واستخدموا لبنى أيوب والترك أول استبدادهم بمصر وكان هذا الرجل من أعقاب أصلهم وكان له نجابة جذبت بضبعه ونصب عند الأمراء من سوقه فاستخدم بها إلى أن ترشح للولاية في الاعمال وتداول امارة دمشق مع منجك اليوسفي وعشقتمر الناصري وكان له انتقاض بدمشق عند تغلب الخاصكي وحاصره واستنزله بأمانه ثم أعيد إلى ولايته ثم تصرمت تلك الدول وتغلب هذا السلطان على الامر ورادفه فيه فولوه على دمشق وكانت صاغيته مع بركة فلما حدث انتقاض بركة كتب إليه والى بقرى بدمشق أولياؤه هنالك بالاستيلاء
(٤٧٧)