وأرسل صلاح الدين إلى الإسكندرية ببعث الأقوات في المراكب إلى عكا وبعث إلى بيروت بمثل ذلك فبعثوا مركبا ونصبوا فيها الصلبان يوهمون انه للإفرنج حتى دخلوا إلى المرسى وجاءت بعد الميرة من الإسكندرية ثم جاءت مكلة من الإفرنج من وراء البحر في نحو ألف مقاتل للجهاد بزعمها فأخذت ببحر الإسكندرية هي وجميع ما معها ثم كتب البابا كبير الملة النصرانية من كنيسة برومة يأمرهم بالصبر والجهاد ويخبرهم بوصول الامداد وأنه راسل ملوك الإفرنج يحثهم على امدادهم فازدادوا بذلك قوة واعتزموا على مناجزة المسلمين وجمروا عسكرا لحصار وعكا وارتحلوا حادي عشر شوال من السنة فنقل صلاح الدين أثقال العسكر إلى على ثلاثة فراسخ من عكا ولقى الإفرنج على التعبية وكان أولاده الأفضل على والظاهر غازي والظافر خضر في القلب وأخوه العادل أبو بكر في الميمنة بعساكر مصر ومن انضم إليهم وعماد الدين صاحب سنجار وتقى الدين صاحب حماة ومعز الدين سنجر شاه صاحب جزيرة ابن عمر في الميسرة وصلاح الدين في خيمة صغيرة على تل مشرف نصب له من أجل موضعه فلما وصل الإفرنج وعاينوا كثرة المسلمين ندموا على مفارقة خنادقهم وباتوا ليلتهم وعادوا من الغد إلى معسكرهم فاتبعوهم أهل المقدمة وتخطفوهم من كل ناحية وأحجروهم وراء خنادقهم ثم ناوشوهم القتال في الثالث والعشرين من شوال بعد أن أكمنوا لهم عسكرا فخرج لهم الإفرنج في نحو أربعمائة فارس واستطرد لهم المسلمون إلى أن وصلوا كمينهم فخرجوا عليهم فلم يفلت منهم أحد واشتد الغلاء على الإفرنج وبلغت الغرارة مائة دينار صوري مع ما كان يحمل إليهم من البلدان من بيروت على يد صاحبها أسامة ومن صيدا على يد نائبها سيف الدين على ابن أحمد المشطوب ومن عسقلان وغيرها ثم اشتد الحال عليهم عند هيجان البحر وانقطاع المراكب في فصل الشتاء ثم هجم الشتاء وأرسى الإفرنج مراكبهم بصور خوفا عليها على عادتهم في صور في فصل الشتاء ووجد الطريق إلى عكا في البحر فأرسل أهلها إلى صلاح الدين يشكون ما نزل بهم وكان بها الأمير حسام الدين أبو الهيجاء السمين فشكى من ضجره بطول المقام والحرب فأمر صلاح الدين بإنفاذ نائب وعسكر إليها بدلا منهم وأمر أخاه العادل بمباشرة ذلك فانتقل إلى جانب البحر عند جبل حيفا وجمع المراكب والشواني وبعث العساكر إليها شيئا فشيئا كلما دخلت طائفة خرج بدلها فدخل عشرون أميرا بدلا من ستين كانوا وأهملوا أهل الرجل وتعينت دواوين صاحب صلاح الدين وكانوا نصارى على الجند في اثباتهم واطلاق نفقاتهم فبلغ الحامية بعكا وضعفت وعادت مراكب الإفرنج بعد انحسار الشتاء فانقطعت
(٣٢٣)