نخشى أن تزاحمنا الإفرنج عليها ويغلبونا على حصارها كما غلبونا على حصار عكا ويملكوها آخرا ويقووا بما فيها من الذخائر والأسلحة فندبهم إلى المسير إليها وحمايتها من الإفرنج فلجوا في الامتناع من ذلك فسار وترك العساكر مع أخيه العادل قبالة الإفرنج ووصل إلى عسقلان وخربها تاسع عشر شعبان وألقيت حجارتها في البحر وبقي أثرها وهلك فيها من الأموال والذخائر ما لا يحصى فلما بلغ الإفرنج ذلك أقاموا بيافا وبعث المركيش إلى ملك انكلطيرة يعذله حيث لم يناجز صلاح الدين على عسقلان ويمنعه من تخريبها فما خربها حتى عجز عن حمايتها ثم رحل صلاح الدين من عسقلان ثاني شهر رمضان إلى الرملة فخرب حصنها ثم سار إلى القدس من شدة البرد والمطر لينظر في مصالح القدس وترتبهم في الاستعداد للحصار وأذن للعساكر في العود إلى بلادهم للإراحة وعاد إلى مخيمه ثامن رمضان وأقام الإفرنج بيافا وشرعوا في عمارتها فرحل صلاح الدين إلى نطرون وخيم به منتصف رمضان وتردد الرسل بين ملك انكلطيرة وبين العادل على أن يزوجه ملك انكلطيرة أخته ويكون القدس وبلاد المسلمين بالساحل للعادل وعكا وبلاد الإفرنج بالساحل لها إلى مملكتها وراء البحر بشرط رضا الفداوية وأجاب صلاح الدين إلى ذلك ومنع الأقسة والرهبان أخت ملك انكلطيرة من ذلك ونكروا عليها فلم يتم وانما كان ملك انكلطيرة يخادع بذلك ثم اعتزم الإفرنج على القدس ورحلوا من يافا إلى الرملة ثالث ذي القعدة وسار صلاح الدين إلى القدس وقدم عليه عسكر مصر مع أبي الهيجاء السمين فقويت به نفوس المسلمين وسار الإفرنج من الرملة إلى النطرون ثالث ذي الحجة والمسلمون يحاذونهم وكانت بينهم وقعات أسروا في واحدة منها وخمسين من مقاتلة الإفرنج واهتم صلاح الدين بعمارة أسوار القدس ورم ما ثلم منها وضبط المكان الذي ملك القدس منه وسد فروجه وأمر بحفر الخندق خارج الفصيل وقسم ولاية هذه الاعمال بين ولده وأصحابه وقلت الحجارة للبنيان وكان صلاح الدين يركب إلى الأماكن البعيدة وينقلها على مركوبه فيقتدى به العسكر ثم إن الإفرنج ضاقت أحوالهم بالنطرون وقطع المسلمون عنهم الميرة من ساحلهم فلم يكن كما عهدوه بالرملة وسأل ملك انكلطيرة عن صورة القدس ليعلم كيفية ترتيب حصارها فصورت له ورأى الوادي محيطا بها الا قليلا من جهة الشمال مع عمقه ووعرة مسالكه فقال هذه لا يمكن حصارها لأنا إذا اجتمعنا عليها من جانب بقيت الجوانب الأخرى وان افترقنا على جانب الوادي والجانب الآخر كبس المسلمون احدى الطائفتين ولم تصل الأخرى لانجادهم خوفا من المسلمين على معسكرهم وان تركوا من أصحابه حامية المعسكر فالمدى بعيد لا يصلون للانجاد الا بعد الوفاة هذا إلى ما يلحقنا من
(٣٢٧)